فهرس الكتاب
الصفحة 56 من 437

قال رسول الله >: (فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تُكفِّرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .

قال: ليست هذه، ولكن التي تموجُ كموج البحر.

قال: ياأمير المؤمنين لابأس عليك منها، إن بينك وبينها باباً مُغلقاً.

قال: يُفتح الباب أو يُكسر؟ قال: لا، بل يكسر.

قال: ذلك أحرى أن لايُغلق. قلنا: علمَ البابَ؟ قال: نعم، كما أن دون غدٍ الليلة. إني حدَّثتُه حديثاً ليس بالأغاليط.

فهبنا أن نسأله، وأمرنا مسروقاً، فسأله فقال: من البابُ؟ قال: عمر) [1] .

يقول الأستاذ/حسين بن محسن أبو ذراع الحازمي:(وفي تشبيهه > الفتن بأنها تموج كموج البحر، إشارة واضحة إلى قوتها وشدتها، ثم إلى تتابعها، وإلى أنه لا يمكن لأحد الوقوف أمامها؛ لأنه لا يمكن لأحد أنْ يقف أمام موج البحر، وأنّ الناس أمام هذه الفتن ستضطرب حركتهم، ويختل توازنهم، وتضيق صدورهم، وينقطع نفسهم، وهذه حال من يصارع الموج.

وإذا علمنا أنّ أمواج البحر تتكاثر وتتعاظم، مع شدة الريح وانتشار السحاب؛ فإنّ لنا أنْ نتصور جو الفتن بأنه جو مظلم.

فالذي يشاهد موج البحر العاتي فتبدو أمامه زرقة البحر مع ظلمة السحاب وكثرته، مع شدة هبوب الرياح وقوتها؛ فكذلك الذي يواجه هذه الفتن، تحيط به الظلمات والأعاصير، فهو مهموم مغموم ظاهراً وباطناً، وللموج صوت وأي صوت؟

ولهذه الفتن صوت، لا يسمع الواقف فيها صوت ما عداها، وإنما تطبق عليه، فهي كالصاخة، فيظل الواقف فيها حيراناً خائفاً قلقاً، يتطلع إلى الأمان ولا يجده، وهل ينجو من البحر وشدة موجه إلا من بعد عنه، وهذا مصداق قوله >:"فخير الناس يومئذ مؤمن معتزل في شعب من الشعاب، يتقي الله، ويذر الناس من شره)."

(1) تقدم تخريجه ص 25.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام