مما سبق من تعريف الفتن وأشراط الساعة يتبين أن الجامع بين الفتن وأشراط الساعة هو مايكون من الشدة، وسوء الحال وفساد الزمان على المسلمين وعلى الناس جميعاً.
إلا أن هناك أمراً يحسن التنبيه عليه وهو أن الأحاديث الواردة في كل من الفتن وأشراط الساعة مشعرة بأنهما متغايران، فنجد أن بعض الأحاديث الواردة في أشراط الساعة، تَعُد بعض الفتن من الأشراط، كما جاء في الدجال وغيره، وهذا فيه إشعار واضح بتغايرهما، ولايعني ذكر بعض الفتن ضمن الأشراط أو العكس أنهما شيء واحد إلا أن وجه الشبه بينهما قوي، ومعناهما متقارب في الدلالة على فساد الزمان والتنبيه لتجنب المزالق والعودة إلى الله ومجاهدة النفس والصبر على الشدائد.
ولم يرد عن العلماء كلام صريح يدل على التفريق بينهما، لكن يمكن استنتاج ذلك من صنيع الأئمة في مصنفاتهم من إيراد أحاديث الفتن والأشراط في كتب مشتركة أو متتالية، كما فعل كل من:
أ_ والإمام الترمذي - رحمه الله - في جامعه حيث أفرد لكل منهما كتاباً.
ب_ والإمام ابن ماجه - رحمه الله - في سننه خصص لكل واحد منهما كتاباً أو باباً.
ج_ والإمام نعيم بن حماد - رحمه الله - [1] في كتابه (الفتن) وهو يعتبر أوسع الكتب في هذا الباب، ويظهر بوضوح قلة الأحاديث التي أوردها في الأشراط مقارنة بأحاديث الفتن البالغة (2030) رواية تقريباً.
(1) هو نُعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث بن همام الخزاعي المروزي أبو عبد الله، أعلم أهل زمانه بالفرائض، الحافظ العلامة. ولد في مرو، وأقام مدةً في الحجاز والعراق، ثم سكن مصر.
حدَّث عن: أبي حمزة السكري، وهشيم، وعبد الله بن المبارك، وفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة، ويحيى القطان، وخلق سواهم. وعنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، ويحيى بن معين، والذهلي، وخلق سواهم.
ثبت على الحق خلال فتنة خلق القرآن فسئل عن القرآن أمخلوق هو؟ فأبى أن يجيب فحُبِسَ في سامرّاء، ومات في سجنه - رحمه الله - تعالى. كان من أوعية العلم والمعرفة، ضعّفه البعض لتفرده عن الأئمة المعروفين بأحاديث كثيرة. له من الكتب:"المسند"، و"الفتن"، وهذا الأخير أتى فيه بعجائب ومناكير، كما نقل ذلك الذهبي في سيرته، قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ كثيراً، فقيه عارف بالفرائض.
توفي ببغداد سنة 228 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 10/ 595 - 612، وميزان الاعتدال 4/ 267.