قال: هي هرب وحرب [1] ، ثم فتنة السراء دَخَنُهَا [2] من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع [3] ، ثم فتنة الدهيماء [4] لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده) [5] .
فدلت هذه الأحاديث الثلاثة على إخبار النبي > بما يكون من ظهور الفتن من بعده، وهذا مافهمه أئمة الإسلام.
فقد أورد هذه الأحاديث الإمام القرطبي / وترجم لها بقوله: (باب مايكون من الفتن وإخبار النبي > بها) [6] .
ب_ وأما إخباره عن بعض الفتن على وجه التحديد وتحذيره منها، فقد جاء ذلك في عدد من الأحاديث ومن ذلك مايلي:
1)فتنة المال:
حذر الله ـ عباده المؤمنين في غير ما آية من فتنة المال والانشغال به عن ذكر الله وطاعته، فهو سبحانه يعلم مواطن الضعف في هذه الكينونة البشرية، ويعلم أن الحرص على الأموال وعلى الأولاد من أعمق مواطن الضعف فيها.
فقال سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَآ أَمْوالُكُم وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 28] .
إذا لم ينتبه المؤمنون إلى ما عند الله من الأجر العظيم واهتموا له، واهتموا بتحصيله، وجاهدوا أنفسهم في سبيل ذلك ووازنوا بين مابين أيديهم من أموال وأولاد زائلة، وبين ما عند الله من أجر عظيم، باقٍ خالدٍ، فقدّموا الباقي الخالد، على الفاني الزائل، إذا لم يفعلوا ذلك وركنوا بالكلية إلى أموالهم وأولادهم فألهتهم عن ذكر الله، فعند ذلك تكون الخسارة المحققة الماحقة.
عن كعب بن عياض [7] قال: سمعت النبي > يقول: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال) [8] .
2)فتنة النساء:
(1) الحرب: ذهاب المال والأهل، يقال حرب الرجل فهو حريب، إذا سلب أهله وماله. معالم السنن شرح سنن أبي داود للخطابي 4/ 442.
(2) دَخَنُهَا: الدخن هو الدخان، والمعنى أنها تثور وتظهر آثارها كالدخان من تحت قدميه، فشبهها بالدخان المرتفع. انظر عون المعبود، ومعالم السنن للخطابي بحاشية سنن أبي داود 4/ 442.
(3) قال الخطابي: (قوله: كورك على ضلع، فإنه مثل يريد والله أعلم أنهم مجتمعون على رجل خليق للمُلك ولامستقل به، وذلك لأن الورك لايستقر على الضلع ولا يلائمها، وإنما يقال في باب المشاكلة والملاءمة هو كرأس في جسد أو كف في ذراع أو نحوهما من الكلام) غريب الحديث، تحقيق: عبدالكريم العزباوي، ط. الأولى (مكة المكرمة: منشورات جامعة أم القرى 1402 هـ/1982 م) 1/ 287.
(4) الدهيماء: تصغير الدهماء وهي الفتنة المظلمة، والداهية. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ص 318.
(5) أخرجه أبو داود، كتاب الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها 4/ 442 (4242) ، وأحمد 2/ 133 والحاكم: 4/ 467، كلهم من طريق أبي المغيرة عن عبد الله بن سالم عن العلاء بن عتبة عن عمير العنسي عن عبد الله بن عمر. وهذا إسناد صحيح، كل رجاله ثقات رجال البخاري غير العلاء بن عتبة فهو صدوق كما قال الحافظ في التقريب ص 435، وقال الحاكم (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح أبي داود 3/ 798.
(6) التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، تحقيق: د. الصادق بن محمد بن إبراهيم، ط. الأولى
(الرياض: مكتبة دار المنهاج 1425 هـ) 2/ 1109.
(7) كعب بن عياض: هو كعب بن عياض الأشعري ذكره البخاري وقال له صحبة. انظر الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجرالعسقلاني، ط. بدون (بيروت: دار الجيل، 1412 هـ - 1992 م) 5/ 608.
(8) أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب ماجاء أن فتنة هذه الأمة في المال 4/ 569 (2336) وصححه، والحاكم 4/ 318 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (594) ، وصحيح الترمذي 2/ 273.