9 _ مراعاة البعد الزمني والتسلسلي في ترتيب أشراط الساعة:
وهذا ضابط مهم لمن أراد تنزيل نصوص الأشراط على الحوادث والوقائع، فلا يحكم لشرط بالظهور، أو تحديد وقت الظهور مع عدم صلاحية الوقت المحدد لظهور الشرط، كما لا يصح أن يقدم شرط على شرط وردت السنة بتأخيره عن ذلك الشرط، فلا بد أن يراعى الترتيب الزمني لتسلسل الأشراط طبقا لما دلت عليه نصوص الوحي الشريف، وعدم القطع بزمان أو ترتيب ما لا دليل على زمنه وترتيبه إلا الظن والتخمين [1] .
وأشراط الساعة من حيث ترتيب وقوعها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أشراط لم تنص الأحاديث على ترتيبها حسب الوقوع، ولذلك اختلف العلماء في ترتيبها.
يقول الشيخ يوسف بن عبدالله الوابل: (لم أجد نصاً يبين ترتيب أشراط الساعة الكبرى حسب وقوعها، وإنما جاء ذكرها في الأحاديث مجتمعة بدون ترتيب؛ إذ كان ترتيبها في الذكر لا يقتضي ترتيبها في الوقوع؛ فقد جاء العطف فيها بالواو، وذلك لا يقتضي الترتيب.
ومن النصوص ما خالف ترتيب الأشراط فيها ترتيبها في نص آخر [2] ، والذي يمكن معرفته من خلال هذه الأحاديث هو ترتيب بعض الأشراط من خلال حدوث بعضها إثر بعض؛ لأن الترتيب جاء بلفظين مختلفين في ترتيب بعض الأشراط، وفي أداة العطف؛ حيث جاء مرة بـ: (أو) ، ومرة بـ: (الواو) وهما لا يدلان على الترتيب. [3]
ولهذا اختلف العلماء في ترتيب الأشراط، وقد جمع الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بين أولية الدجال، وأولية خروج الشمس من مغربها، فقال:(الذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى - عليها السلام -، وأن طلوع الشمس من مغربها هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة.
ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب).
ثم قال [أي الحافظ ابن حجر] : (والحكمة في ذلك أنه عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة؛ فتخرج الدابة؛ تميز المؤمن من الكافر؛ تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة. وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس) [4] .
القسم الثاني: أشراط قطعت الأحاديث بتعيين ترتيبها، فالسنة بينت ترتيب بعض الأشراط على بعض، بحيث لا يصح أن يجعل المنزل شرطا قبل شرط حكمت السنة بتأخره عنه.
ومن الأمثلة عليه: فتح القسطنطينية: عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي - عليه السلام - قال: (عمارة بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح القسطنطينية وفتح القسطنطينية خروج الدجال) [5] وهذا نص قاطع في تعيين ترتيبها.
وعن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - وسئل: أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله - عليه السلام - نكتب، إذ سئل رسول الله - عليه السلام: أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله - عليه السلام: (مدينة هرقل تفتح أولاً يعني قسطنطينية) [6] .
(1) انظر: المهدي وفقه أشراط الساعة ص 696.
(2) انظر: التذكرة ص 739.
(3) أشراط الساعة ص 239 بتصرف.
(4) انظر: فتح الباري 11/ 353.
(5) تقدم تخريجه ص 233.
(6) أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 234 (6642) ، والحاكم في المستدرك 3/ 422 و 4/ 508 وقال:) هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 7 (4) .