فهرس الكتاب
الصفحة 104 من 437

3 -قولهم: أن أهل العلم لم يولوها اهتماماً، فهذا مردود عليه بالكم الكبير من المؤلفات التي كتبها العلماء قديماً وحديثاً، وبينوا فيها معاني هذه النصوص كما بينوا معاني نصوص الأحكام الفقهية. [1]

ولو سلمنا لهم بعدم الاهتمام فإن ذلك ليس مبرراً لتنزيل هذه النصوص على الواقع كيفما أراد كل أحد، دون ضوابط شرعية تضبط فهم النص أولاً، ثم تضبط كيفية تنزيله ثانياً، وإذا قلنا أنها من أصول العقيدة فيكون تنزيلها أصعب من تنزيل الأحكام الفقهية.

4 -وأما استدلالهم بالمروي عن حذيفة بن اليمان وأبي هريرة - رضي الله عنهما - فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - موضحاً قول أبي هريرة: (فإن هذا حديث صحيح، لكنه مجمل. وقد جاء مفسرًا: أن الجراب الآخر كان فيه حديث الملاحم والفتن) [2]

وقال أيضاً: (ولكن ليس في هذا من الباطن الذي يخالف الظاهر شيء، بل ولا فيه من حقائق الدين، وإنما كان في ذلك الجراب الخبر عما سيكون من الملاحم والفتن، فالملاحم الحروب التي بين المسلمين والكفار، والفتن ما يكون بين المسلمين؛ ولهذا قال عبد اللّه بن عمر: لو أخبركم أبوهريرة أنكم تقتلون خليفتكم، وتفعلون كذا وكذا لقلتم: كذب أبو هريرة.

وإظهار مثل هذا مما تكرهه الملوك؛ وأعوانهم؛ لما فيه من الإخبار بتغير دولهم.

ومما يبين هذا: أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر، فليس هو من السابقين الأولين، ولا من أهل بيعة الرضوان، وغيره من الصحابة أعلم بحقائق الدين منه، وكان النبي - عليه السلام - يحدثه وغيره بالحديث فيسمعونه كلهم، ولكن كان أبو هريرة أحفظهم للحديث ببركة حصلت له من جهة النبي - عليه السلام -؛ لأن النبي - عليه السلام - حدثهم ذات يوم حديثًا فقال: (أيكم يبسط ثوبه فلا ينسى شيئًا سمعه) ففعل ذلك أبو هريرة.

(1) انظر: المبحث الثاني من هذا الفصل.

(2) الفتاوى 5/ 170.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام