إن المنهج الرباني هو أن يحكم على الإنسان بمجموع أعماله، فبالنسبة للآخرة يجب أن لا نختلف، فالموازين تنصب يوم القيامة عند الله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] ومذهب أهل السنة والجماعة أنه ميزان حقيقي وله كفتان، ففي كفة توضع الحسنات وفي الأخرى توضع السيئات، فتوزن الأعمال كما في حديث صاحب البطاقة وغيره، وهذا في الآخرة.
وأما في الدنيا فإنه يجب علينا أيضاً أن نأخذ نفس الميزان، فلهذا أمرنا الله سبحانه وتعالى عندما وضع الميزان أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:8 - 9] .
وليس معنى الميزان بالقسط هو في البيع والشراء فقط! بل هو ميزان عام في الحياة كلها كما قال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152] وقال: وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ [الإسراء:35] أي في جميع أمور حياتكم، وقال: أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:8 - 9] ، فيجب عليك أيها المسلم أن تقيم الوزن في كل شيء حتى في عباراتك، ولا يصح أن يكون الحال أنك إذا كنت راضياً عن فلان قلت فيه أحسن ما تعلم ومدحته، وإذا غضبت عليه قلت فيه أسوأ ما تعلم! بل لابد أن يكون كل ذلك بميزان، فكما أن الميزان يوم القيامة عدل؛ فكذلك يجب علينا في الدنيا أن نزن بالعدل، فإذا ارتكب شخص جريمة فلا ننسى فضله إن كان له فضل، والعكس صحيح: فعندما نتكلم عن الفضائل، فليس معنى ذلك أننا ننكر ما يكون قد وقع فيه مما لا يليق، وقد بين ضوابط ذلك علماء الجرح والتعديل.