فهرس الكتاب
الصفحة 284 من 359

بعد أن بين المولى جل وعلا صفات الصنفين الأولين أفاض في ذكر صفات الصنف الأخير، وكذلك جاء هذا الصنف في سورة التوبة، والنساء، والمنافقون، وفي غير ذلك من السور، كما قد أسلفنا من قبل.

والخلاصة أن الناس ثلاثة أصناف، أما الذين هم من أهل القبلة -أي: المنتسبون للإسلام- فهم في الحقيقة على صنفين:

صنف مؤمن على الحقيقة ظاهراً وباطناً، فهؤلاء لا يجوز أن يكفروا بأي حال من الأحوال.

وصنف ظاهره الإيمان وباطنه الكفر، وهؤلاء يكفّرون إذا توافرت فيهم الشروط وانتفت عنهم الموانع، ويسمى الواحد منهم منافقاً أو زنديقاً.

فإذا قُطع أو جزم أنه كافر، فمعنى ذلك الشهادة عليه بأنه ليس في قلبه ذرة من إيمان.

يقول المصنف رحمه الله: [وصنف أقروا به ظاهراً لا باطناً -وهذه الأقسام الثلاثة مذكورة في أول سورة البقرة- وكل من ثبت أنه كافر في نفس الأمر] أي في حقيقته التي ظهرت في فلتات كلامه وسوء فعاله [وكان مقراً بالشهادتين] أي في ظاهره [فإنه لا يكون إلا زنديقاً، والزنديق هو المنافق] .

معنى ذلك أنه لا يجوز الإقدام على تكفير من لم يقل الكفر أو يعتقده على الحقيقة؛ لأنك إذا فعلت ذلك فقد أخرجته من أن يكون مؤمناً في الباطن، وجعلته مجرد مؤمن في الظاهر، رغم أنه ليس لديك أي دليل على ذلك، ففعلك هذا يُعد من كبائر الذنوب بتكفيرك من ليس بكافر حقيقة.

فلو أن إنساناً قال مقالة، والمقالة في ذاتها تحتمل أن تكون كفراً أو بدعة، ونحن نعلم أن هذا الرجل مؤمن في باطنه إن شاء الله -كما يظهر لنا- ولا يقصد الكفر ولا يريده، فإن قلنا: إنه كافر بناءً على أن هذا اللفظ كفر، أو أن هذا الاعتقاد يؤدي إلى كفر، فقد وقعنا في التناقض؛ لأننا نقول: إننا لا نستطيع أن نشهد بأنه كافر في الباطن، وفي نفس الوقت نكفره!!

وإذا قلنا: إنه كافر؛ فكيف نقول ذلك وهو يقر بالشهادتين ويقر بالإسلام.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام