يقول:"وأما القدرية المقرون بالعلم والروافض الذين ليسوا من الغالية والجهمية والخوارج"فيذكر عنه -يعني الإمام أحمد رحمه الله- في تكفيرهم روايتان، هذا حقيقة قوله المطلق، مع أن الغالب عليه التوقف عن تكفير القدرية المقرين بالعلم، والخوارج، مع قوله: ما أعلم قوماً شراً من الخوارج"."
قد ذكر الإمام أحمد حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج فقال:"صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج من عشرة أوجه".
ثم قال:"ما أعلم قوماً شراً من الخوارج"، لكنه لم يكفرهم؛ بل توقف في تكفيرهم وفي تكفير من أنكر القدر وهو مقر بالعلم، أما من أنكر العلم فهو كافر لا شك في ذلك.
فهناك مراتب عند الإمام أحمد في هؤلاء؛ حيث صنفهم إلى قوم لم يتردد في أنهم يكفرون، وقوم لم يتردد في أنهم لا يكفرون، وقوم توقف في أمرهم، أو وردت عنه روايات متعارضة بشأنهم، وهذا من عدل أهل السنة والجماعة؛ حيث إنهم لا يعممون الأحكام على الناس، وإنما كل بحسبه، وهذا من الميزان الذي أمر الله تعالى به.
ثم يبين شيخ الإسلام أن الناس اختلفوا في فهم كلام الإمام أحمد رحمه الله، وفي فهم كلام الإمام الشافعي وأمثالهم، يقول:"وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة".
ثم يقول:"وحقيقة الأمر أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع"يعني أنهم كما اختلفوا في آيات الوعيد وأحاديث الوعيد، فكذلك اختلفوا في كلام الأئمة، فمنهم من جعله في المعينين، ومنهم من نفاه بإطلاق.
قال:"ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه".