الجواب: لا. بل تهجره، أما شريعة الإنجيل فتقول: (من سخرك ميلاً فامش معه ميلين، ومن لطمك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، ومن أخذ رداءك فأعطه الإزار) . وهذا ليس من شريعة الإسلام، بل قال الله: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40] لكن ... فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه [الشورى:40] فالشريعة الإسلامية جمعت بين العدل والعفو، فمن حقك أن تعاقب من ظلمك، وذلك حتى لا تحمل النفس على خلاف ما جبلت عليه من حب الانتقام، وذلك ربما أدى بها إلى النفور من الأوامر الشريعة، فأجاز الله للمرء أن يأخذ حقه ممن اعتدى عليه، وله أن يهجره ثلاث ليال، وهي كافية للقلوب المؤمنة أن تمحو أثر الخطأ والظلم، أو الغضب والانتقام الذي يقع في النفس، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: {لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} قوله: (وخيرهما) أي: خير المتخاصمين الذي يبدأ صاحبه بالسلام.
يقول بعد كلام له رحمه الله:"وهذا لأن الهجر من باب العقوبات الشرعية، فهو من جنس الجهاد في سبيل الله، وهذا يُفعل لأن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله".
أي: كل الأعمال يجب أن تكون لله، والهجر من جنس العقوبات، وأعلى أنواع العقوبات التي يُعاقب بها أعداء الله أن يُقاتلوا فيقتلوا ويسبوا ويُغنموا؛ فيُفعل هذا الجهاد حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] فكذلك أيضاً: إن هجرت فيكون الهجر لله، وإن بدَّعته أو فسَّقته أو حكمت عليه، فأيضاً من باب الانتصار لدين الله، حتى يكون الدين كله لله.