فهرس الكتاب
الصفحة 21 من 359

فالأمة بفطرتها تشهد له أنه على الحق وإن كان حَرَمَها، لكنه لم يظلمها، وإنما أخذ منها الظلم ورد الحق لأهله، والذين أعطوا بغير حق لا يشكرون ولا يذكرون، ولا يقال لأحدهم رحمه الله، هذا الجزاء في الدنيا وما عند الله أشد -ونعوذ بالله- المهم في الأمر أن بيت المال أمره عظيم، فكان الخلاف في مسألة بيت المال أوضح ما كان عند الخوارج، فالخوارج كانوا يجادلون من يجادلون في هذا، ولهذا ضرب الشعبي رحمه الله هذا المثل للخوارج بما قاله الأخ الأوسط للأصغر: تعال معي نأخذ حقنا. فقال: لا. ولكن أصبر وأحتسب، وكثير من الأمة وكثير من الناس في البوادي وفي وسط الجزيرة وغيرها، قالوا: لا نقاتل الوليد لأنه لم يعطنا حقنا من الفيء ومن بيت المال، نتركه وأمره إلى الله، فقالت: الخوارج إذا لم تقاتلوه فأنتم تقرونه، وعليه فأنتم كفار، وقاتلوهم على ذلك، فهذه مشكلة الخوارج ولهذا لما قدموا على أبي مجلز السدوسي وهو من التابعين المشهورين جاء إليه نفر منهم يناظرونه وقالوا له: [فسر هذه الآية: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] قالوا: أليس هؤلاء يحكمون بغير ما أنزل الله؟ قال: بلى، قالوا: إذاً هم كفار، ولكنك وأمثالك تداهنونهم، وهم يحكمون بغير ما أنزل الله، قال: لا. إن دينهم الذي يدينون به هو الحكم بما أنزل الله، ولكنهم يخالفون في العمل]، والكفر كما سيأتينا إن شاء الله ليس هو مجرد المخالفة في العمل -لأن المخالفة في العمل تسمى معاصي وذنوباً، وهذا في الغالب- لكن منهجهم في الحكم ودينهم وشرعهم هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه القضية كانت تشغل بال الخوارج، وكانوا يُثيرون الأمة بالذنوب والمعاصي التي تقع من الحكَّام وقد كان بعضهم كذلك، فهؤلاء يريدون أن يقولوا للناس: إن من ارتكب كبيرة فهو كافر، إذاً فالحجاج وعبد الملك والوليد كلهم كفار، وكل من أقر هؤلاء أو

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام