فهرس الكتاب
الصفحة 209 من 359

هجر المبتدع تعزير له

ثم ذكر النوع الثاني فقال:"النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من يُظهر المنكرات حتى يتوب منها كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى أنزل الله توبتهم؛ حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعيِّن عليهم بغير عذر، ولم يهجر من أظهر الخير وإن كان منافقاً. فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير."

والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل المحرمات، كتارك الصلاة والزكاة، والتظاهر بالمظالم والفواحش، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، التي ظهر أنها بدع -هذا شاهد موضوعنا- وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة: إن الدعاة إلى البدع لا تُقبل شهادتهم، ولا يُصلَّى خلفهم، ولا يُؤخذ عنهم العلم، ولا يناكحون"."

وهذا معلوم بالتواتر عن السلف رحمهم الله، أعني أن أصحاب البدع الداعين إليها لا تقبل شهادتهم، سواء كانوا من أصحاب الكلام أو من الخوارج والروافض، فأياً كانوا فشهادتهم مردودة، ولا يُزَكُّون، فإذا شهد أحد أهل البدع عند قاضٍ فإن شهادته مردودة، كما فعل شريك بن عبد الله القاضي فقد ردَّ شهادة حماد بن أبي حنيفة؛ لأنه يقول: إن العمل ليس من الإيمان. وكذلك لا يصلَّى خلف أصحاب البدع، ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يناكحون.

قال شيخ الإسلام رحمه الله:"فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا"ولهذا يفرِّقون بين الداعية وغير الداعية؛ لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة، بخلاف الكاتم، فإنه ليس شراً من المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم، ويَكلُ سرائرهم إلى الله، مع علمه بحال كثيرٍ منهم"."

أي: كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع المعذرين بعد غزوة تبوك، جاءوا يحلفون للنبي صلى الله عليه وسلم ليرضى عنهم، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يقبل أيمانهم، ويعرض عنهم، ويكل أمرهم إلى الله، وهو يحاسبهم ويجازيهم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام