يقول:"ومن استشهد على ذلك"، أي على أن قدَّر بمعنى: ضيق،"بقوله: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ [سبأ:11] ، وقوله: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:7] فقد استشهد بما لا يَشْهَد له فإن الله قال: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7] ، وكما قال عز وجل: وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [سبأ:35 - 36] ، وقال في آية أخرى: وَيَقْدِرُ لَهُ [العنكبوت:62] ."
يقول شيخ الإسلام: يقدر هنا ليس معناها: التضييق، فليس المعنى: ومن ضُيِّق عليه رزقه، يقول:"فإن اللفظ كان في قوله: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ [سبأ:11] معناه: اجعل ذلك بقدْر ولا تزد ولا تنقص"أي: وليس معنى وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ [سبأ:11] : ضيِّق؛ لأنهم قد يقولون: تضييق السرد أدعى إلى الإحكام، لأنه عندما يكون الدرع مخلخلاً لا يكون كما إذا كان مشتبكاً محكماً، وعليه فالتقدير يكون بمعنى: التضييق، هذه وجهة نظرهم.
شيخ الإسلام رحمه الله يقول: معنى قدِّر: اجعله بقَدْر معين ولا تزد ولا تنقص.
أي: التزم مقداراً معيناً، لا تزد عليه ولا تنقص منه، وذلك أدعى إلى الإحكام والضبط.
يقول:"وقوله: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:7] : أي: جُعل رزقه بقدر ما يكفيه من غير فضل، بحيث لو أنفق منه لاختل"فهذا دخله على قدْر ما يقيم نفسه وأولاده، ولو كان أقل من ذلك لأصبح من غير أهل الكفاية، وصار مسكيناً أو فقيراً فيعْطَى من الزكاة.
يقول:"إذ لو ينقص الرزق عن ذلك لم يعش".
يعني: بمقدار لو نقص عن هذا المقدار لم يعش، فالله سبحانه وتعالى يرزق العباد جميعاً؛ فيرزق بعضهم رزقاً واسعاً، ويرزق البعض الآخر بحيث يكون على أدنى الكفاية، كما في قوله: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِر [سبأ:36] .