فهرس الكتاب
الصفحة 19 من 359

فإنهم قالوا للناس: اشتركوا معنا لنقاتل هؤلاء فأبى الناس فأخذوا يستحلون أموال الناس؛ لأنهم لم يخرجوا معهم ليقاتلوا عبد الملك والحجاج ومن بعده ويأخذوا حقهم ونصيبهم من بيت المال، وأكثر ما نقموا على بني أمية -كما تعلمون، ومخالفة بني أمية لم تكن في الاعتقاد- ما كان في المال، ولا شك أن بني أمية خاصة بعد معاوية رضي الله تعالى عنه خالفوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين في بيت المال؛ فبيت المال إنما هو للمسلمين، ولذلك أبو بكر رضي الله عنه بعد أن بويع بالخلافة أراد أن يسعى في طلب الرزق وأن يعمل، فقالوا: يا خليفة رسول الله إلى أين؟ قال: عيالي؛ فرتبوا له من بيت المال ما يكفيه، وعمر رضي الله تعالى عنه معلوم عدله حتى مع أهله وأبنائه، فكان لا يسمح أن يأخذ أحد من بيت المال درهماً واحداً، بل يذكر عنه رضي الله تعالى عنه أنه ذهب مرة إلى السوق فوجد إبلاً سماناً أسمن من غيرها من الإبل فقال: لمن هذه الإبل؟ قالوا: هذه لابنك عبد الله بن عمر، فدعاه فقال: يا عبد الله! هذه الإبل لك؟ قال: نعم. قال: مالي أراها أسمن من غيرها من الإبل؟ قال: والله! يا أمير المؤمنين: لا علم لي، هذه إبلي، واستأجرت لها الرعاة يرعونها، قال: لا. هذه الإبل إذا ذهبت عند الماء قيل: إبل ابن أمير المؤمنين فتشرب قبل إبل المسلمين، وإذا ذهبت في مرعى قالوا: دعوها ترتع؛ لأنها إبل ابن أمير المؤمنين، فلذلك كانت أسمن من غيرها، بيعوها، ولك يا عبد الله رأس مالك، والباقي في بيت مال المسلمين، هكذا ضرب الأمثلة في القسطاس والعدل، فلما كانت تلك سيرتهم أحبهم الناس ولا شك أنها سيرة عالية راقية، وهذا الذي يجب أن تتطلع الأمة إلى أن تُوجد مثله، وإن وجد من يخالف؛ فقولوا لهم: كونوا مثلهم، فلو نُصح عبد الملك بن مروان مثلاً أو من بعده: كن كعمر، كن كأبي بكر -ويجب أن يقال له ذلك- حتى تبقى عند الأمة هذه الصورة العليا، لكن هناك تفاوت

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام