فهرس الكتاب
الصفحة 187 من 359

"ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {قال رجل -لم يُعجِّل حسنة قط- لأهله: إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبنه أحداً من العالمين، فلما فمات الرجل فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلتَ هذا؟ قال من خشيتك يا رب، وأنت أعلم! فغفر الله له} "، ثم ذكر لفظاً آخر وروايات أخر.

بيان أن الرجل أنكر القدرة والمعاد

قال رحمه الله:"فهذا الرجل: ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق"، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك، فوقع هذا الرجل في أمرين عظيمين: حيث ظن أنه إذا تفرق لن يقدر الله عليه، وظن بناء على ذلك أنه لا يعيده، أي: لا يبعثه.

قال رحمه الله:"وكل واحدٍ من إنكار قدرة الله تعالى وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت؛ كُفر".

فشيخ الإسلام رحمه الله يقول: هذا الرجل وقع في مصيبتين:

الأولى: إنكار القدرة.

والثانية: إنكار المعاد.

فيقول:"لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره، وخشيته منه جاهلاً بذلك"، أي فهذا مؤمن أسرف على نفسه ولم يعمل خيراً قط، ولكن أيقظ الله قلبه في تلك اللحظة، ولكنه غلا في الخوف حين وجد أنه في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، ولا يستطيع أن يتقدم ولا يتأخر عن ذلك، وأمامه صفحة سوداء ملطخة بالذنوب والمعاصي، وهو يخشى عذاب الله، ويريد أن ينجو من العذاب بأي وجه، فوقع في هذه المشكلة؛ حيث غلا في الخوف، وظن الحل والخلاص فيما ليس بحل ولا خلاص، بل هو وقوع في مصيبة أو مشكلة أخرى، وهكذا حال كثير من الناس إلا من مَنَّ الله تبارك وتعالى عليه بالهداية، وليس كل من حَسُن دافعه أو رغبته يصيب الحق، ويحسن التصرف والتدبير في الأمر.

يقول:"ولكنه كان مع ذلك جاهلاً ضالاً في هذا الظن مخطئاً؛ فغفر الله له ذلك".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام