يقول الحافظ:"وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشيةً ممن دونه، وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:50] ، والأنبياء بقوله: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ [الأحزاب:39] "، وكلما عظمت خشية الله سبحانه وتعالى في قلب عبدٍ من العباد هانت عليه خشية الناس حتى لا يكاد يخافهم، وقد ذُكر عن بعض السلف -قيل هو العز بن عبد السلام، وقيل: غيره من العلماء- أنه دخل على أحد سلاطين المماليك وكان بطاشاً جباراً، فقالوا له: لِمَ لمْ تخف منه؟ قال: لما دخلتُ على السلطان ورأيت عظمته وهيبته تذكرت عظمة الله، فإذا هو عندي -أي: السلطان- مثل الهر. إن هؤلاء بالنسبة إلى الله عز وجل لا شيء، فلا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ومثل هذا لو شاء الله لأسكته وأماته وأهلكه في تلك اللحظة، ولو شاء الله لكان أول من يقتله جنده الذين يفتخر ويعتز بهم، ولكان أول ما يدمره ماله الذي يظن أنه هو الذي جمعه، كما قال قارون: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] فقد تقتضي مشيئة الله أن يكون مالك أو جاهك أو غيره سبب هلاكك؛ إذ الكل بيد الله سبحانه وتعالى.
فكلما كان الإنسان أخشى لله سبحانه وأخوف منه، فإنه يكون أقل خوفاً وخشيةً ممن دونه؛ لأنه يكون على يقين بأن الرازق والخالق والمدبر لكل شيء هو الله، وأن الناس لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وكذلك لو أرادوا أن ينفعوه، فالكل منه سبحانه وتعالى، فالفضل له وحده، والخوف يكون منه وحده سبحانه وتعالى.