عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً: {كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله} ، ولهذا قال في الرواية الأولى: {لم أعمل خيراً قط} ، وفي رواية: (لم يبتئر خيراً قط) فقد كان يسيء الظن بعمله، وقد جاء في بعض الروايات: أنه (كان نباشاً) ، ينبش القبور فيسرق الأكفان وما قد يجد فيها، وهذا الفعل من أقبح أنواع الجرائم، فإن الإنسان إذا سرق الأحياء فهي جريمة بشعة وشنيعة، فكيف إذا سرق الأموات؟! ومعنى ذلك: أن الخوف من الله والخوف من الموت وتذكر الآخرة غائب عن ذهنه تماماً، فإن بعض الناس -وإن كان مسرفاً في المعاصي- إذا رأى جنازة أو ميتاً أو مقبرة خاف وارتدع، أما الذي يقدم على سرقة القبور ويحفرها وينبشها ليأخذ ما فيها من الأكفان؛ فإن هذا دليل على قسوة القلب وغلظته وبعده عن الله، وأنه لا يفكر في اليوم الآخر، ولا يخاف الله، ولا يرجو لقاءه، وهذا العمل وأعمال أخرى -كما يبدو من ظاهر الروايات- تستحق أن يُساءَ الظن بها.
{فقال لأهله: إذا أنا مت فخذوني فذروني في البحر في يوم صائف} ، ولا تعارض بين الروايات، فقد ورد: {نصفه في البر ونصفه في البحر} ، المهم أنه حدد لهم (في يوم صائف) ، أي: يوم عاصف، شديد الرياح، فبعد أن تطحن عظامه يذر بعضها في البر وبعضها في البحر؛ ليكون -كما يظن- أصعب إعادة؛ فهو يظن أنه لو بقي على هيئته ووضع في القبر، فستكون إعادته سهلة، لكن إذا تفرق بهذا الشكل فسوف يغيب فكأنه يغيب ويتلاشى تماماً، ولن يبعث ولن يحاسب ولن يعاقب. قال: {ففعلوا به، فجمعه الله، ثم قال: ما حملك على الذي صنعت؟ قال: ما حملني عليه إلا مخافتك، فغفر له} .