فهرس الكتاب
الصفحة 134 من 359

وقد تعرضنا لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في سوء الخاتمة: {إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها} ، وقلنا: إن هذا الحديث لا يعني أن الإنسان يعمل بعمل أهل الجنة في ظاهر الأمر كما هو في بعض الروايات، وحمله عليه بعض العلماء قديماً وحديثاً، فلا يشترط ذلك؛ لأننا إذا قلنا: إن العبد إنما يعمل الخير في الظاهر، فهو في الباطن منافق وغير صادق، وإذا قلنا هذا فإن الحكمة المقصودة من الحديث تنتفي، وكأنه لم يبق له معنى؛ لأن من كان يعمل بعمل أهل الجنة في الظاهر فقط وهو في الباطن يعمل بعمل أهل النار؛ فهو في الحقيقة يعمل بعمل أهل النار، فما ينفعه الظاهر ولا يثاب عليه.

فالحديث فيه التخويف من سوء الخاتمة، ويبقى التخويف على بابه، ويبقى للحديث معناه من الزجر والوعيد؛ ليحذر العابد الصادق، والداعية المحسن، والمنيب القانت من الوقوع فيما قد تسوء به خاتمته، فهذا الرجل ثبتت له الشهادة بأنه مجتهد في العبادة وخطؤه أو ذنبه كان في الدعوة إلى الله لا في الذنوب والموبقات، مع أن الدعوة إلى الله عمل الأنبياء، قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ [يوسف:108] ، لكن من هذا الباب زلَّ ووقع، فكانت خاتمته ونهايته هي النار بهذه الكلمة، وهذا مما يؤكد ويؤيد المعنى الذي قلناه، فيظل هذا الحديث على ظاهره وعلى بابه؛ تخويفاً للصالح المنيب القانت، بأنه ربما حبط عمله بكلمة أو بزلة ولم يلق لها بالاً، كما جاء في الحديث الآخر: {إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً} ، وقد يقول الكلمة من رضا الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها الدرجات.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام