فهرس الكتاب
الصفحة 30 من 93

وكُلُّ هذه الآياتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإنْسَانِ قَطْعُ جميعِ تَعَلُّقَاتِهِ إِلاَّ باللهِ عِبَادَةً وخَوْفًا، ورَجَاءً واسْتعَانَةً، ومَحَبَّةً وتَعْظِيمًا، حَتَّى يكونَ عَبْدًا للهِ حَقِيقَةً؛ يكونُ هَوَاهُ وإِرَادَتُهُ وحُبُّهُ وبُغْضُهُ ووَلاَؤُهُ ومُعَادَاتُهُ للهِ وفِي اللهِ؛ لأَِنَّهُ مَخْلُوقٌ للعِبَادَةِ فَقَطْ، قَالَ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} أيْ: لاَ نَأْمُرُكُم ولاَ نَنْهاكُم، إِذْ لَو خَلَقْنَاكُم فقطْ للأَكْلِ والشُّربِ والنِّكَاحِ لَكَانَ ذَلِكَ عَيْنَ العَبَثِ، ولَكِنْ هناكَ شَيْءٌ وَرَاءَ ذَلِكَ وهوَ عِبَادَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ في هذه الدُّنيا.

وقولُهُ: {إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} أيْ: وحَسِبْتُم أَنَّكم إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فنُجَازِيَكُم، وإذا كَانَ هذَا هوَ حُسْبَانَكم فهوَ حُسْبَانٌ باطِلٌ.

قولُهُ: (قَالَ أبو العبَّاسِ) هوَ شيخُ الإسلامِ تَقِيُّ الدَّينِ أحمدُ بنُ عبدِ الحليمِ بنِ عبدِ السَّلاَمِ بنِ تَيْمِيَّةَ

قولُهُ: (لغيرِهِ مُلْكٌ) أيْ: لغيرِ اللهِ في قولِهِ:

{لاَ يَمْلِكُونَ مِثقَالَ ذَرَّةٍ في السَّمَاواتِ ولاَ في الأَرْضِ} .

قولُهُ: (أوْ قِسْطٌ منهُ) في قولِهِ:

{وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} .

قولُهُ: (أوْ يكونَ عَوْنًا للهِ) في قولِهِ تَعَالَى:

{وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ.

قولُهُ: (وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الشَّفَاعَةُ) فبَيَّنَ أَنَّها لاَ تَنْفَعُ إلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّبُّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

{وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} .

-وقَالَ: {مَنْ ذَا الَّذَِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} ومَعْلُومٌ أَنَّهُ لاَ يَرْضَى هذه الأصنامَ؛ لأَِنَّها بَاطِلَةٌ، وحينَئذٍ فتَكُونُ شَفَاعَتُها مُنْتَفِيَةً.

واعْلَمْ أنَّ شِرْكَ المُشْرِكِينَ في السَّابِقِ كَانَ في عِبَادَةِ الأصنامِ،

أمَّا الآنَ فهوَ في طَاعَةِ المَخْلُوقِ في المَعْصِيَةِ، فإنَّ هؤلاءِ يُقَدِّسُونَ زُعَمَاءَهُم أَكْثَرَ مِنْ تَقْدِيسِ اللهِ إنْ أَقَرُّوا بِهِ، فيُقَالُ لَهُم: إنَّهم بَشَرٌ مِثْلُكم خَرَجَوا مِنْ مَخْرَجِ البَوْلِ والحَيْضِ، وليسَ لَهُم شِرْكٌ في السَّماواتِ ولاَ في الأَرْضِ، ولاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ لَكُم عِنْدَ اللهِ، إذًا فكيفَ تَتَعَلَّقُونَ بهم؟

حتَّى إنَّ الوَاحِدَ منهم يَرْكَعُ لرَئِيسِهِ أوْ يَسْجُدُ لهُ كَمَا يَسْجُدُ لرَبِّ العَالَمِينَ؟

والواجبُ علينا نحوَ وُلاَةِ الأُمُورِ طَاعَتُهُم، وطَاعَتُهُم مِنْ طَاعَةِ اللهِ ولَيْسَت اسْتِقْلاَلاً، أَمَّا عِبَادَتُهم كَعِبَادَةِ اللهِ فهذه جَاهِليَّةٌ وكُفْرٌ.

فهذه الشَّفَاعَةُ التي يَظُنُّها المُشْرِكونَ هيَ مُنْتَفِيَةٌ يومَ القيامةِ كَمَا نَفَاهَا القُرْآنُ، فاللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى نَفَى أنْ تَنْفَعَهم أَصْنَامُهُم، بلْ قَالَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} حتَّى الأصْنَامُ لاَ تَنْفَعُ نَفْسَها ولاَ يُشْفَعُ لَهَا، فكيفَ تكونُ شافعةً؟

بلْ هيَ في النَّارِ وعَابِدُوهَا.

قولُهُ: (وَأَخْبَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: أَنَّهُ يَأْتِي فَيَسْجُدُ لِرَبِّهِ) أيْ: وكَمَا أَخْبَرَ، والواوُ عَاطِفَةٌ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافِيَّةً.

فإذا كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ

-وهوَ أَعْظَمُ النَّاسِ جَاهًا عندَ اللهِ- لاَ يَشْفَعُ إِلاَّ بعدَ أنْ يَحْمَدَ اللهَ ويُثْنِيَ عليهِ، فيَحْمَدُ اللهَ بِمَحَامِدَ عَظِيمَةٍ يَفْتَحُها اللهُ عليهِ لَمْ يكنْ يَعْلَمُها مِنْ قبلُ، ويَطُولُ سُجُودُهُ، فكيفَ بهذه الأصْنَامِ؛ هَلْ يُمْكِنُ أنْ تَشْفَعَ لأَِصْحَابِهَا؟!.

قولُهُ: (( ارْفَعْ رَأْسَكَ ) )أيْ: مِن السُّجُودِ.

قولُهُ: (( وقُلْ يُسْمَعْ ) )السَّامِعُ هوَ اللهُ، و (( يُسْمَعْ ) )جَوابُ الأَمْرِ مَجْزُومٌ.

قولُهُ: (( وَسَلْ تُعْطَ ) )أيْ: سَلْ مَا بَدَا لكَ تُعْطَ إيَّاهُ، و (( تُعْطَ ) )مَجْزُومٌ بِحَذْفِ حَرْفِ العِلَّةِ جَوَابًا لـ (( سَلْ ) ).

قولُهُ: (( واشْفَعْ تُشَفَّعْ ) )وحينَئذٍ يَشْفَعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في الخَلاَئِقِ أَنْ يُقْضَى بينَهُم.

قولُهُ: (وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ؟) هذا السُّؤَالُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ لهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (( لَقَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أنْ لاَ يَسْأَلَنِي أَحَدٌ غَيْرُكَ عنهُ لِمَا أَرَى مِنْ حِرْصِكَ عَلَى العِلْمِ ) )وفي هذا دَلِيلٌ عَلَى أنَّ مِنْ وَسَائِلِ تَحْصِيلِ العِلْمِ السُّؤَالَ.

قولُهُ:

(( مَنْ قالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ ) )وعليهِ فالمُشْرِكُونَ ليسَ لَهُم حَظٌّ مِن الشَّفَاعَةِ؛ لأَِنَّهم لاَ يَقُولونَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} وقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} .

والحَقِيقَةُ: أنَّ صَنْيعَهُم هوَ العُجَابُ،

قالَ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} .

وقَالَ تَعَالَى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} .

وقولُهُ: (( خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ ) )خَرَجَ بذلكَ مَنْ قَالَهَا نِفَاقًا، فإنَّهُ لاَ حَظَّ لَهُ في الشَّفَاعَةِ، فإنَّ المُنَافِقَ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، ويَقُولُ: أَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، لَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَابَلَ شَهَادَتَهم هذه بِشَهَادَتِهِ عَلَى كَذِبِهم، قَالَ تَعَالَى: {وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} أيْ: في شَهَادَتِهم في قَوْلِهم: إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ، فَهُم كَاذِبُونَ في شَهَادَتِهم، وفي قَوْلِهم: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؛ لأَِنَّهم لوْ شَهِدُوا ذلكَ حقًّا مَا نَافَقُوا، ولاَ أَبْطَنُوا الكُفْرَ.

قولُهُ: (( خَالِصًا ) )أيْ: سَالِمًا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ، فَلاَ يَشُوبُها رِيَاءٌ ولاَ سُمْعَةٌ، بَلْ هيَ شَهَادَةُ يَقِينٍ.

قولُهُ: (( مِنْ قَلْبِهِ ) )لأَِنَّ المَدَارَ عَلَى القَلْبِ وهوَ ليسَ مَعْنًى مِن المَعَانِي، بلْ هوَ مُضْغَةٌ في صُدُورِ النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: {فإِنَّها لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ ولَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (( أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ) ).

وبِهَذَا يَبْطُلُ قولُ مَنْ قَالَ: إِنَّ العَقْلَ فِي الدِّمَاغِ، ولاَ يُنْكَرُ أنَّ للدِّمَاغِ تَأْثِيرًا فِي الفَهْمِ والعَقْلِ، لَكِنَّ العَقْلَ في القَلْبِ، ولِهَذَا قَالَ أحمدُ: (العَقْلُ في القَلْبِ ولهُ اتِّصَالٌ في الدِّمَاغِ) .

ومَنْ قَالَ كَلِمَةَ الإِخْلاَصِ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، فَلاَ بُدَّ أنْ يَطْلُبَ هذا المَعْبُودَ بسُلُوكِ الطُّرُقِ المُوصِلَةِ إليهِ، فيقومَ بأَمْرِ اللهِ ويَدَعَ نَهْيَهُ.

(19) قولُهُ: (فتلكَ الشَّفَاعَةُ لأَِهلِ الإِخْلاَصِ) لأَِنَّ مَنْ أَشْرَكَ باللهِ قَالَ اللهُ فيهِ: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} .

قولُهُ: (وحَقْيقَتُهُ أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هوَ الذِي يَتَفَضَّلُ عَلَى أَهْلِ الإِخْلاَصِ، فيَغْفِرُ لهم بواسِطَةِ دُعاءِ مَنْ أَذِنَ لهُ أنْ يَشْفَعَ) وحَقِيقَتُهُ - أيْ: حَقِيقَةُ أَمْرِ الشَّفَاعَةِ والفَائِدَةُ منها - أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أَرَادَ أنْ يَغْفِرَ للمَشْفُوعِ لهُ، ولكنْ بواسِطَةِ هذه الشَّفَاعَةِ.

والْحِكْمَةُ مِنْ هذه الوَاسِطَةِ بَيَّنَها

بقولِهِ: (ليُكْرِمَهُ ويَنَالَ المَقَامَ المَحْمُودَ) ولوْ شَاءَ اللهُ لَغَفَرَ لَهُم بِلاَ شَفَاعَةٍ، ولَكِنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ فَضْلِ هذا الشَّافِعِ وإِكْرامَهُ أمامَ الناسِ، ومِن المعلومِ أنَّ مَنْ قَبِلَ اللهُ شَفَاعَتَهُ فهوَ عندَهُ بِمَنْزِلَةٍ عَالِيَةٍ، فيَكُونَ في هذا إِكْرَامٌ للشَّافِعِ مِنْ وجْهَيْنِ:

الأوَّلُ:

إِكْرَامُ الشافِعِ بقَبُولِ شَفَاعَتِهِ.

الثاني:

ظُهُورُ جَاهِهِ وشَرَفِهِ عندَ اللهِ تَعَالَى.

قولُهُ: (المقامُ المحمودُ) أي: المَقَامُ الذي يُحْمَدُ عليهِ، وأَعْظَمُ النَّاسِ في ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ؛ فإنَّ اللهَ وَعَدَهُ أنْ يَبْعَثَهُ مَقَامًا مَحْمُودًا، ومِن المَقَامِ المَحْمُودِ: أنَّ اللهَ يَقْبَلُ شَفَاعَتَهُ بَعْدَ أنْ يَتَرَاجَعَ الأنبياءُ أُولُو العَزْمِ عنها.

ومَنْ يَشْفَعْ مِن المُؤْمِنينَ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلَهُ مَقَامٌ يُحْمَدُ عليهِ عَلَى قَدْرِ شَفَاعَتِهِ.

(21) قولُهُ: (فالشَّفَاعَةُ التي نَفَاهَا القُرْآنُ مَا كَانَ فيها شِرْكٌ) هذا مِنْ كَلاَمِ شيخِ الإِسْلاَمِ ابنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ.

( 22) قولُهُ: (ولهذا أَثْبَتَ الشَّفَاعَةَ بإِذْنِهِ في مَوَاضِعَ) ومِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} .

وقولُهُ: {وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} .

وقولُهُ: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} .

(23) قولُهُ: (وقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أَنَّها لاَ تَكُونُ إِلاَّ لأَِهْلِ الإِخْلاَصِ والتَّوْحيدِ) أَمَّا أَهْلُ الشِّرْكِ فإِنَّ الشَّفَاعَةَ لاَ تَكُونُ لَهُم؛ لأَِنَّ شُفَعَاءَهُم هُم الأَصْنامُ، وهيَ باطِلَةٌ.

ووجْهُ إدخالِ بابِ الشَّفَاعَةِ في كِتَابِ التَّوْحيدِ: أنَّ الشَّفَاعَةَ الشِّرْكِيَّةَ تُنَافِي التَّوْحيدَ، والبَرَاءةُ منها هيَ حَقِيقَةُ التَّوْحيدِ.

(24) فيهِ مَسَائلُ:

الأُولَى: (تَفْسيرُ الآياتِ)

وهيَ خَمْسٌ، وسَبَقَ تَفْسِيرُها في مَحَالِّها.

(25) الثانيَةُ: (صِفَةُ الشَّفَاعَةِ المَنْفِيَّةِ) وهيَ ما كانَ فيها شِرْكٌ، فَكُلُّ شَفَاعَةٍ فيها شِرْكٌ فإِنَّها مَنْفِيَّةٌ.

(26) الثالثةُ: (صِفَةُ الشَّفَاعَةِ المُثْبَتَةِ)

وهيَ شَفَاعَةُ أهلِ التوحيدِ بشرطِ إذنِ اللهِ تعَالَى ورَضِاهُ عَنِ الشافِعِ والمَشْفُوعِ لَهُ.

(27) الرابعةُ: (ذِكْرُ الشفاعَةِ الكُبْرَى)

وهيَ المَقَامُ المَحْمُودُ: وهيَ الشَّفَاعَةُ في أهلِ المَوْقِفِ أنْ يُقْضَى بَيْنَهم، وقَولُ الشَّيْخِ: (وهيَ المَقَامُ المَحْمُودُ) أيْ: منهُ.

(28) الخَامِسةُ: (صِفَةُ مَا يَفْعَلُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ)

وأَنَّهُ لاَ يَبْدَأُ بالشَّفَاعَةِ بلْ يَسْجُدُ فإذا أُذِنَ لهُ شَفَعَ، كَمَا قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ رَحِمَهُ اللهُ وهوَ ظَاهِرٌ، وهذا يَدُلُّ علَى عَظَمَةِ الرَّبِّ، وكَمَالِ أَدَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

السَّادِسَةُ: (مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِهَا؟)

هم أهلُ التوحيدِ والإخْلاَصِ، مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، خالِصًا مِنْ قَلْبِهِ.

و (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)

مَعْناهُ: لاَ مَعْبُودَ حَقٌّ إِلاَّ اللهُ، وليسَ المعنَى: لاَ مَعْبُودَ إِلاَّ اللهُ؛ لأَِنَّهُ لوْ كَانَ كذلكَ لَكَانَ الواقِعُ يُكذِّبُ هذا، إذْ إنَّ هناكَ مَعْبُودَاتٍ مِنْ دونِ اللهِ تُعْبَدُ وتُسَمَّى آلِهَةً، ولكنَّها باطِلَةٌ، وحينَئذٍ يَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ: لاَ إِلَهَ حَقٌّ إلاَّ اللهُ.

(لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ)

تَتَضَمَّنُ نَفْيًا وإِثْبَاتًا، هذا هوَ التَّوْحيدُ؛ لأَِنَّ الإِثْباتَ المُجَرَّدَ لاَ يَمْنَعُ المُشَارَكَةَ، والنَّفْيَ المُجَرَّدَ تَعطيلٌ مَحْضٌ، فلوْ قُلْتَ: لاَ إِلَهَ، مَعْناهُ عطَّلْتَ كُلَّ إِلَهٍ، ولوْ قُلْتَ: اللهُ إِلَهٌ، ما وحَّدْتَ؛ لأَِنَّ مثلَ هذه الصَّيغَةِ لاَ تَمْنَعُ المُشَارَكَةَ. ولِهَذا قالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} لَمَّا جاءَ الإثباتُ فقطْ أكَّدَهُ بقولِهِ: واحِدٌ.

السابعةُ: (أنَّها لاَ تَكُونُ لِمَنْ أَشْرَكَ باللهِ)

لقولِهِ تَعَالَى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} وغيرِ ذلكَ مِمَّا نَفَى اللهُ فيهِ الشَّفَاعَةَ للمُشْرِكِينَ، ولِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (( خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ ) ).

(31) الثامنةُ: (بيانُ حَقِيقَتِهَا)

وحَقِيقَتُها: أنَّ اللهَ تَعَالَى يَتَفَضَّلُ عَلَى أَهْلِ الإخْلاَصِ فيَغْفِرُ لَهُم بَواسِطَةِ مَنْ أَذِنَ لَهُ أنْ يَشْفَعَ ليُكْرِمَهُ ويَنَالَ المَقَامَ المَحْمُودَ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام