> من المنافقين: و ' يصدون ' هنا لازم لا متعد ، وهو بمعنى يعرضون ، لا بمعنى يمنعون > غيرهم ، ولهذا أتى مصدره على صدود ، ومصدر المتعدي ' صداً ' . فإن كان المعرض عن > ذلك قد حكم الله سبحانه بنفاقهم ، فكيف بمن ازداد إلى أعراضه منع الناس من تحكيم > الكتاب والسنة ، والتحاكم إليهما بقوله وعمله وتصانيفه ؟ ثم يزعم مع ذلك انه إنما أراد > الإحسان والتوفيق: الإحسان في فعله ذلك ، والتوفيق بين الطاغوت الذي حكمه ، وبين > الكتاب والسنة . > > قلت: وهذا حال كثير ممن يدعي العلم والإيمان في هذه الأزمان ، إذا قيل لهم: تعالوا > نتحاكم إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيتهم يصدون وهم مستكبرون ، ويعتذرون أنهم لا > يعرفون ذلك ، ولا يعقلون ، بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون . > > وقوله تعالى: ! 2 < فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم > 2 ! . > > قال ابن كثير: أي فكيف بهم إذا أصابتهم المقادير إليك في المصائب بسبب ذنوبهم ، > واحتاجوا إليك في ذلك ، وقال ابن القيم قيل: المصيبة فضيحتهم إذا أنزل القرآن بحالهم ، > ولا ريب أن هذا أعظم المصيبة والإضرار فالمصائب التي تصيبهم بها قدمت أيديهم في > أبدانهم وقلوبهم وأديانهم بسبب مخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام ، أعظمها مصائب > القلب والدين ، فيرى المعروف منكراً ، والهدى ضلالاَ والرشاد غيا ، والحق باطلاً ، > والصلاح فساداً ، وهذا من المصيبة التي أصيب بها في قلبه ، هو الطبع الذي أوجبه مخالفة > الرسول صلى الله عليه وسلم وتحكيم غيره ، قال سفيان الثوري في قوله: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة ) قال: هي أن تطبع على قلوبهم . > > وقوله تعالى: ^ ( ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً ) ^ [ النساء: 62 ] . > > قال ابن كثير: أي: يعتذرون ويحلفون إن أردنا بذهابنا إلى غيرك إلا الإحسان > والتوفيق ، أي: المداراة والمصانعة . وقال غيره: إلا إحساناً ، أي: لا إساءة ، وتوفيقاً ، أي: > بين الخصمين ، ولم نرد مخالفة لك ، ولا تسخطاً لحكمك . > > قلت: فإذا كان هذا حال المنافقين يعتذرون عن أمرهم ، ويلبسونه لئلا يظن أنهم > قصدوا المخالفة لحكم النبي صلى الله عليه وسلم ، أو التسخط ، فكيف بمن يصرح بما كان المنافقون > يضمرونه حتى يزعم أنه من حكم الكتاب والسنة في موارد النزاع ، فهو إما كافر وإما مبتدع > ضال ! ؟ وفعل المنافقون الذي ذكره الله عنهم في هذه الآية هو بعينه الذي يفعله المحرفون > للكلم عن مواضعه الذين يقولون: إنما قصدنا التوفيق بين القواطع العقلية بزعمهم التي هي > الفلسفة والكلام وبين الأدلة النقلية ، ثم يجعلون الفلسفة التي هي سفاهة وضلالة الأصل ، > ويردون بها ما أنزل الله على رسوله من الكتاب والحكمة ، زعموا ان ذلك يخالف الفلسفة >