> ( [ 16 ] باب: الشفاعة ) > > لما كان المشركون في قديم الزمان وحديثه إنما وقعوا في الشرك لتعلقهم بأذيال > الشفاعة ، كما قال تعالى: ^ ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُم وَلا ينفَعُهُم وَيَقُولُونَ هَؤلاءِ > شُفَعَؤنا عِندَ اللهِ ) ^ [ يونس: 18 ] وقال تعالى: ! 2 < والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى > 2 ! [ الزمر: 3 ] وكذلك قطع الله أطماع المشركين منها ، وأخبر أنه > شرك ، ونزه نفسه عنه ، ونفى أن يكون للخلق من دونه ولي أو شفيع ، كما قال تعالى: > ! 2 < الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون > 2 ! [ السجدة: 4 ] أراد المصنف في هذا الباب إقامة الحجج > على أن ذلك هو عين الشرك وأن الشفاعة التي يظنها من دعا غير الله ليشفع له كما يشفع > الوزير عند الملك منتفية دنيا وأخرى ، وإنما الله هو الذي يأذن للشافع ابتداء ، لا يشفع ابتداء > كما يظنه أعداء الله . فإن قلت: إذا كان من اتخذ شفيعاً عند الله ، إنما قصده تعظيم الرب > تعالى وتقدس أن يتوصل إليه إلا بالشفعاء ، فلم كان هذا القدر شركاً ؟ ! . > > قيل: قصده للتعظيم لا يدل على أن ذلك تعظيم لله تعالى ، فكم من يقصد التعظيم > لشخص ينقصه بتعظيمه ، ولهذا قيل في المثل المشهور: يضر الصديق الجاهل ما لا يضر > العدو العاقل . فإن اتخاذ الشفعاء والأنداد من دون الله هضم لحق الربوبية ، وتنقص للعظمة > الإلهية ، وسوء ظن برب العالمين ، كما قال تعالى: ^ ( وُيُعَذبَ المُنَفِقينَ والمُنَفِقَتِ وَالمُشْرِكِينَ > والمشركت الظانينَ بالله ظنَ السَّوء عَلَيهم دَائرةُ السَّوء وَغَضِبَ اللهُ عَلَيهِم وَلَعَنَهُم وَأَعَدَ لَهُم > جَهَنَّم وَسَآءت مَصِيراً * ) ^ [ الفتح: 6 ] فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به ، ولو > أحسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده ، ولهذا أخبر سبحانه وتعالى عن المشركين أنهم ما > قدروه حق قدره وكيف يقدره حق قدره من اتخذ من دونه نداً ، أو شفيعاً يحبه ويخافه > ويرجوه ، ويذل له ، ويخضع له ويهرب من سخطه ويؤثر مرضاته ويدعوه ويذبح له وينذر ، > وهذه هي التسوية التي أثبتها المشركون بين الله وبين آلهتهم وعرفوا وهم في النار أنها كانت > باطلاً وضلالاً ، فيقولون وهم في النار: ^ ( تَالله إِن كُنَّاَلفِي ضَلَلٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِيكُم بِرَبِ >