انظر سلسلة الضعيفة 1/34 حديث رقم 24
ضعيف فيه عطية العوفي في روايته وهَن وقد ضعّفوه وهو مشهور بضعفه وتشيعه وتدليسه عند المحدثين (انظر تقريب التهذيب للحافظ ترجمة رقم(4616) . وقد وصفه الحافظ بأنه مشهور بالتدليس القبيح (طبقات المدلسين1/50) .
لأنه كان يروي عن أبي سعيد الخدري فلما مات صار يروي عن أبي سعيد الكلبي ويقتصر على قول (حدثني أبو سعيد) فيظن الناس أنه يروي عن أبي سعيد الخدري. فكيف يؤمن تدليس عطية إن كان من هذا النوع من التدليس؟. غير أنه وهم أو نسي فقال: إنه قال: حدثني أبو سعيد: فأمن بذلك تدليسه (كما نقله عنه إبن علان) . والحواب: أن التصريح بالسماع إنما يفيد إذا كان التدليس من النوع الآخر. وأما تدليس عطية فإنه من النوع القبيح فلا يفيد ذلك. لأنه في هذه الرواية قال حدثني أبو سعيد ولم يفصح لنا من هو أبو سعيد هذا: هل هو الخدري أم الكلبي؟
وهكذا فتدليس عطية من النوع الذي لا ينفع معه التصريح بالتحديث.
قال الزبيدي « إنما ضعفوه من قِبَل التشيع ومن قبل التدليس» (إتحاف السادة المتقين 5/88) . قال الذهبي « قال أحمد والنسائي وجماعة: ضعيف، وقال سالم المرادي كان عطية يتشيَّع» (ميزان الاعتدال 3: 79 تهذيب التهذيب 7: 224) . وذكره النووي في (الأذكار ص58 باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد) من روايتين في سند الأولى وازع بن نافع العقيلي: قال النووي (متفق على ضعفه) وفي سند الثانية (عطية العوفي) قال النووي « وعطية ضعيف» . وكذلك صرح جمع من الحفاظ بضعفها كالحافظ المنذري في الترغيب (3/459) .
وقد حاول الحافظ ابن حجر دفع الضعف عن عطية كما في (نتائج الأفكار1/271) فقال: « ضعف عطية إنما جاء من قبل التشيع ومن قبل التدليس وهو في نفسه صدوق، وقد أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأخرج له أيو داود أحاديث ساكتا عليها، وحسن له الترمذي عدة أحاديث بعضها في أفراده» .
وهذا الكلام من الحافظ غير سديد. فإن الحافظ نفسه بقلة الضبط فقال في التقريب « صدوق يخطئ كثيرا وكان شيعيا مدلسا» وقوله «يخطئ كثيرا» فيه أن حديث عطية يلازمه الضعف. والخطأ الكثير لا علاقة له بالتشيع والتدليس بل هو متعلق بالضبط.
زد على ذلك أن البخاري نقل عن علي قوله « عطية وأبو هرون العبدي وبشر بن حرب عندي سواء. وكان هشيم يتكلم فيه» (التاريخ الأوسط1/267 وميزان الاعتدال5/101 تهذيب الكمال20/147) يعني عطية. وهذا فيه تسوية لعطية بالمتروكين.
فأبو هرون العبدي متروك (تقريب التهذيب ترجمة4840) .
وبشر بن حرب: ضعفه ابن المديني وكان يحيى لا يحدث عنه (التاريخ الكبير2/71) .
فكيف يستهان بمن اجتمع فيه التشيع والتدليس وكثرة الخطأ؟
ولا حجة في رواية البخاري عنه رواية واحدة في الأدب المفرد فإنه لم يقتصر فيه على الصحيح كما هو الحال في صحيحه.
ثم إن أبا داود قال « ليس بالذي يعتمد عليه» (تهذيب التهذيب7/201) .
وقال الذهبي عنه « عطية واه» .
ونقل الزيلعي في (نصب الراية4/51) عن عبد الحق في أحكامه قوله « وعطية العوفي لا يحتج به» .
وقال السخاوي « وعطية ضعيف» (الأجوبة المرضسة1/187) .
وأما تحسين الترمذي له فليس بحجة، قد يحسن لجماعة من الضعفاء. وقد أكد الحافظ أن الترمذي « إذا وصف حديثا بالحسن فلا يلزم عنده أن يحتج له، ودليل لك أنه أخرج حديثا من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن الحصين ثم قال بعده « هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك» (سنن الترمذي2/128) (وانظر النكت على ابن الصلاح1/402 توضيح الأفكار1/179) .
وأما قول يحيى بن معين بأنه « صالح» وأنه سئل عن عطية وأبي نضرة فقال « أبو نضرة أحب إلي» كما في سؤالات الدوري (2/407) .
فهذا لا يعد توثيقا وإنما المقصود يُعمل النظر في رواياته. قال ابن أبي حاتم « إذا قيل رجل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار» .
وعلى افتراض كونه توثيقا فلا بد من التوفيق بين الجرح والتعديل وذلك لا يكون إلا بتقديم الجرح لأن الحارح معه زيادة علم من تدليس وتشيع وكثرة خطأ لو اطلع عليه المعدل لجرحه. ومثا هذا يقال فيما زعم أحدهم أن ابن شاهين قد وثق عطية، أضف إلى أن ابن شاهين ليس من أهل الشأن في الجرح والتعديل.
وأما قول ابن سعد في طبقاته عن العوفي « وكان ثقة إن شاء الله» . فإن الجارح مقدم على المعدل إن كان عنده زياة علم. وماذا عند ابن سعد من علم إلا أن يكون قد أخذه من شيخه الواقدي الواقدي وهو متهم ولا يعول عليه ولا يمكن أن نقدم قوله على شهادة البخاري وغيره من الموثوقين المعروفين بالجرح والتعديل.
أما تحسين العراقي له فإن الجرح مقدم على التعديل اذا كان الجارح مبينا أسباب جرحه. وقد بين النووي أسباب ضعف الحديث. وهذا دليل على أن القاعدة (وخذه حيث حافظ عليه نص) لا تخلو من اعتراض. فهذا الحافظ العراقي يحسنة بينما الحافظ النووي يحكي الاتفاق على ضعفه.
وهذا تعصب وعمى، ناهيك عن أنه يمنح الحافظ رتبة الأئمة المعصومين ومخالف لما أجمع عليه جمهور الأمة وعلماؤها « كل منا يؤخذ منه ويردّ عليه إلا صاحب هذا القبر» . فكم من حافظ أخطأ في تحسين حديث وتضعيفه حسب ما أدى إليه اجتهاده. فهذا الحافظ الدارقطني يتعقب الحافظ البخاري في العديد من أحاديث صحيحه كما بينه الحافظ ابن حجر في مقدمة صحيح البخاري. وهذا ابن حجر وهو حافظ يتعقب البيهقي فيصحح حديث الصوت الذي ضعفه.
وليس ذلك بقادح فيهم، وإنما يقدح في أهل الكلام والجدل الذين ينهون عن التقليد، وهم أول المقلدين كما قاله الحافظ ابن حجر.
فهذه القاعدة منقوضة بما هو معلوم بالاستقراء من حصول الخطأ والاختلاف بين الحفاظ في تحسين الأحاديث الضعيفة أو تضعيف الصحيحة خطأ وسهواً! وإذا كنا نعتقد أن الأئمة يخطئون وكانوا يقولون « إذا وجدتم قولنا يخالف الحديث الصحيح فاضربوا بقولنا عرض الحائط» . فكيف نعتقد احتمال الخطأ عند الشافعي وأحمد ولا نعتقده في الحافظ؟!
فماذا نفعل إذا ضعف حافظ حديثاً صححه حافظ آخر؟
وابن حجر العسقلاني حافظ وقد نص على أن رواية (وهو الآن على ما عليه كان) مكذوبة لا وجود لها في شيء من كتب الحديث (فتح الباري6/289) فلماذا لا تزالون متمسكينً بها وقد نص حافظ على وضعها وكذبها؟
والسبكي (عندكم) حافظ وقد حشا كتابه (شفاء السقام) بالأحاديث الموضوعه التي صرح جمع من الحفاظ بوضعها: فلو أننا أخذناها على عماها كما تريدون لوقعنا في الكذب على رسول الله ( ووقع المسلمون في فساد عظيم (وقد حكى محقق كتاب(سير أعلام النبلاء) تحامل السبكي المقيت والذي ينبئ عن تحامل وحقد وبُعدٍ عن الإنصاف وجهل أو تجاهل بمعرفة القول الفصل في مواطن الخلاف (سير أعلام النبلاء18/471) .
بل أنتم لا تأخذونه حتى ولو نص حافظ عليه فقد نص الحافظ الذهبي على تواتر حديث الجارية كما في كتاب العلو (ص 16) كذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (13/359) قال « هو حديث صحيح أخرجه مسلم» . فهل تأخذونه حيث حفاظ عليه نصوا؟
وإذا كانت شهادة الحافظ ابن حجر عندكم معتبرة فقد صرح. باستحقاق ابن تيمية رتبة (حافظ) كما في (التلخيص الحبير3 / 109) وكذلك شهد له السيوطي برتبة (حافظ، مجتهد، شيخ الإسلام) (صون المنطق 1 طبقات الحفاظ ترجمة رقم(1144) والأشباه والنظائر3/683 نقل فيها ثناء ابن الزملكاني على شيخ الإسلام). فهل تأخذون بنص شهادة الحافظ في ابن تيمية إن كنتم صادقين؟ أم أنكم تأخذون من قول الحافظ ما يناسب أهواءكم؟