فهرس الكتاب
الصفحة 211 من 595

لو صرت شيعيا لطالبت بتعديل هذا الحديث ليصير هكذا « أنت مني بمنزلة يوشع بن نون من موسى» لاتفاق السنة والشيعة على أن هرون مات قبل موسى. وأن الذي خلف موسى يوشع بن نون وليس هرون.

فلا هرون كان إماما بعد موسى (. ولا علي كان إماما بعد محمد ( وإنما بعد عثمان.

ولكن هل كان يمكن أن يقع الاختلاف بيننا لو أن النبي قال » أنت مني بمنزلة يوشع بن نون»؟

بالطبع سوف يرتفع الخلاف والجدل وسوف تكون حجة تخضع لها كل الأعناق.

ولكن القوم ينسبون إلى النبي ( تناقضا ووعدا لم يتحقق، ثم يريدون منا أن نوافقهم عليه.

ولكن منزلة أبي بكر أعظم

ولكن منزلة أبي بكر في صحبة رسول الله في هجرته وغزواته حتى كان كالقرين له بل صار كأنه ظله: هي أعظم منزلة من تخليف النبي عليا على المدينة. فقد قال رسول الله « أبو بكر مني بمنزلة الدين من الجسد» . وفي رواية « أبو بكر وعمر بمنزلة السمع والبصر» .

هذا بالرغم من ورود حديث باطل وهو « أبو بكر وعمر مني منزلة هرون من موسى» طعن فيه ابن الجوزي (العلل المتناهية1/199 ميزان الاعتدال5/473) والحافظ ابن حجر. ولو كنا نتعصب للشيخين لحاولنا تصحيح الرواية.

بل قال النبي ( لأبي بكر ابتداءً « أبى الله أن يختلف عليك يا أبا بكر» .

وهذا الخبر ورد أبتداء. أما خبر علي فقد ورد على سبب فوجب أن يكون أبو بكر أولى منه بالإمامة.

بل إن قول النبي ( ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر أصرح من حديث(أنت مني بمنزلة هرون من موسى) الدال على منزلة الأخوة. فإنه إن لم تكن المنزلة نبوة بقيت منزلة الأخوة. أو منزلة تخليفه على المدينة في حياته وهي منزلة كانت لعبد الله بن أم مكتوم وغيره لا لعلي فقط.

وكلام النبي لا يتناقض. فإن كان هو إخبارا عن المستقبل فهذا الخبر لم يتحقق إلا بعد خلافة عثمان. وإما أن يكون التناقض في الفهم.

وكيف يعد النبي عليا أن يكون بالمنزلة التي كان يفترض بهرون أن ينالها لو أنه بقي حيا؟

بل إنه يشبه منزلته منه بالمنزلة التي تحققت في هرون وليس بالتي كان يفترض به أن يحققها لكنه لم يتمكن منها بسبب موته!!!

علي يثبت منزلة أبي بكر من النبي

إن مبايعة علي تبطل كل حجة يأتي بها الشيعة سواء كانت حديثية أم لغوية أو أصولية. فإن كل ذلك لا ينفع ولا يقف في وجه مبايعة علي التي يبرر لها الشيعة بالبيعة الإجبارية تحت طائلة التهديد من غير أن يسندوا هذا التهديد المزعوم برواية واحدة صحيحة. فإن اعترفتم بالبيعة وعجزتم عن إثبات التهديد فقد انهدم دينكم.

وإذا قلتم إن عليا إنما بايع وسكت عن حقه حرصا على بيضة المسلمين. فنقول: فاسكتوا أنتم أيضا واقتدوا به في سكوته واقبلوا البيعة كما قبلها هو تكونوا حينئذ متمسكين بالعترة. ولكن لم يعهد في علي أن يسكت عن الحق، فقد قاتل معاوية يوم أن له حق عليه.

هل كرر النبي هذا القول لعلي؟

هذا وقد زعم الرافضة أن النبي كان يكرر هذا القول لعلي مرات عديدة. وهو كذب فإن الطرق الأخرى ضعيفة مثل رواية زيد بن أرقم « أن رسول الله ? قال لعلي حين أراد أن يغزو إنه لا بد من أن أقيم أو تقيم. فخلّفه فقال ناس: ما خلّفه إلا شيء كرهه. فبلغ ذلك عليا فأتى رسول الله ? فأخبره، فتضاحك ثم قال: يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى» .

قال الهيثمي « رواه ميمون أبو عبد الله البصري وثقه ابن حبان وضعفه آخرون» (مجمع الزوائد9/111) .

كذلك رواية ابن عباس قال « قال رسول الله ? لأم سلمة هذا علي بن أبي طالب لحمه لحمي ودمه دمي فهو مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. قال الهيثمي « رواه الطبراني وفيه الحسن بن الحسين العرني وهو ضعيف» (مجمع الزوائد9/111) .

كذلك رواية أخرى آفتها عبد الله بن بكير الغنوي وحكيم بن جبير أن رسول الله ? قال لعلي « ما يبكيك يا علي.. أما ترضى..» وفي آخرها « فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك» .

قال الحاكم « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» (المستدرك2/367) . وتعقبه الذهبي فقال « أنى له الصحة والوضع لائح عليه، وفي إسناده عبد الله بن بكير الغنوي منكر الحديث عن حكيم بن جبير وهو ضعيف يترفض» .

ثم يأتي الأميني بلا أمانة فيكتم تعقيب الذهبي ويكتفي بقول الحاكم بأن الحديث صحيح. (حديث المنزلة2/71) .

كذلك حديث « لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي من بعدي» ثم قال « أنت مني بمنزلة هرون من موسى» .

رواه ابن أبي عاصم في السنة2/565).

كذلك رواية « وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هرون من موسى» آفتها عبد الرحمن بن أبي بكر وهو ابن مليكة التيمي المدني. قال البخاري وأحمد « منكر الحديث» وقال النسائي «متروك الحديث» (سلسلة الأحاديث الضعيفة4934) .

قال الأميني « وهذا الحديث قطعا صحيح» .

قلت: وهذا قطعا كذب. فإن فيه أبو بلج: قال البخاري وابن عدي « فيه نظر» (الكاشف للذهبي2/414 الكامل في الضعفاء7/229) . وفي التقريب « ربما أخطأ» (تقريب التهذيب1/625) . وقال أبو حاتم « كان ممن يخطئ لم يفحش خطؤه حتى استحق الترك» (كتاب المجروحين3/113) .

رواية أخرى:

حدثنا محمود بن محمد المروزي نا حامد بن آدم نا جرير عن ليث عن مجاهد عن بن عباس قال لما آخا النبي ? بين أصحابه وبين المهاجرين والأنصار فلم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم خرج علي مغضبا حتى أتى جدولا من الأرض فتوسد ذراعه فتسفى عليه الريح، فطلبه النبي ? حتى وجده فوكزه برجله فقال له قم فما صلحت إلا أن تكون إلا أبا تراب أغضبت علي حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أؤاخ بينك وبين أحد منهم؟ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي؟ ألا من أحبك حف بالأمن والإيمان ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية وحوسب بعمله في الإسلام».

قال الهيثمي « وفيه حامد بن آدم المروزي وهو كذاب» (مجمع الزوائد9/111) . وروي من طريق آخر آفته حفص بن جميع وهو ضعيف. قال الساجي « يحدث عن سماك بأحاديث مناكير، وفيه ضعف» (تقريب التهذيب1/172 المجروحين1/256) .

رواية أخرى:

« عبدالمؤمن بن عباد قال انا يزيد بن معن عن عبدالله بن شرحبيل عن زيد بن أبي اوفى «... والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي وانت مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي وانت اخي ووارثي قال وما ارث منك يا نبي الله قال ما اورثت الأنبياء قبلي قال ما هو قال كتاب ربهم وسنة نبيهم وانت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي» .

قال ابن الجوزي « هذا حديث لا يصح عن رسول الله ? قال ابو حاتم الرازي عبدالمؤمن ضعيف» (العلل المتناهية1/219) . ووصف الذهبي هذا الحديث بالموضوع (سير أعلام النبلاء1/142) .

وقد اغتر به عبد الحسين فاحتج به وغفل عن أنه يتضمن فخا ضد مذهبه وهو تلك العبارة « قال وما ارث منك يا نبي الله قال ما اورثت الأنبياء قبلي قال ما هو قال كتاب ربهم وسنة نبيهم» وهذا يؤيد موقف أبي بكر من أرض فدك حيث احتج على فاطمة بمثل هذا الحديث.

فهل كان الأميني أمينا؟ وهل كان عبد الحسين صادقا أم كذابا مدلسا؟

إعتراض علي ينسف التأكيد الالهي على الإمامة المزعومة

ونسأل: ألم يكن علي يعلم أن هذا الاستخلاف سوف يكون دليلا على إمامته؟

ألم يكن يعلم علي عظمة هذه المنزلة حتى احتقرها واعترض على النبي؟

أم أنه اعترض بسبب ما قاله المنافقون استخلفه لأنه كره صحبته، فيصير جواب النبي ( ردا على المنافقين وإثباتا للأخوة والمحبة.

فلا يعود جواب النبي متعلقا بموضوع الاستخلاف ولا الإمامة. لأنه قد استخلفه أصلا. وإنما جاء لتأكيد منزلة الأخوة التي طعن فيها المنافقون.

هل يقتضي التشبيه المساواة في كل شيء؟

وتشبيه المنزلة بالمنزلة لا يلزم منها مساوتها بها في كل شيء، وإنما يكون بحسب ما دل عليه السياق ولا تقتضي المساواة في كل شيء.

قول النبي ( « بمنزلة هرون من موسى» .

إما أن يكون المقصود منه الاستخلاف في حياة النبي فقط.

وإما الأخوة.

وإما الإمامة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن كان المقصود هو الاستخلاف في حال الحياة فقط فهذا صحيح ومقبول.

لكن هذا لم يكن خاصا بعلي، فقد استخلف النبي عددا من الصحابة غير علي على المدينة عندما كان يخرج غازياً أو حاجاً أو معتمرا. فقد استخلف في غزوة بدر: عبد الله ابن أم مكتوم، واستعمل على المدينة في غزوة بني المصطلق: أبا ذر الغفاري وفي غزوة الحديبية: نُمَيْلَةَ بن عبد الله الليثي كما استعمله أيضاً في غزوة خيبر، وفي عمرة القضاء استعمل: عويف بن الأضبط الديلي، وفي فتح مكة: كلثوم بن حصين بن عتبة الغفاري، وفي حجة الوداع: أبا دجانة الساعدي (السيرة النبوية لابن هشام في سيرته2/650،804،806، 3/ 1113،1133،1154،1197، 4/1241،1457) .

فلو كان هذا الاستخلاف يدل على خصوصية في علي لم يجز استخلاف أحد غيره، وذلك من أجل أن يفهم الناس أن عليا هو الإمام دون غيره وجوبا.

غير أنه لم يقل لأحد ممن استخلفه أنه منه بمنزلة هرون من موسى، وسبب ذلك أن كل من استخلفه لم يظن أن في استخلافه نوع نقص، فلم يحتج أن يقول له هذه الجملة.

فيكون معنى الحديث: أنت مني بمنزلة هرون من موسى. فكما أن موسى استخلف هرون في حياته، فكذلك أنا أستخلفك في حياتي.

وإن كان المقصود من ذلك الإمامة بعد النبي فقد نسبتم الجهل إلى النبي ( بأنه خفى عليه أن هرون مات قبل موسى وأن الخليفة بعد موسى هو يوشع بن نون.

وأيضا لو كان مراد النبي من ذلك هو الإمامة من بعده لقال لعلي (أنت مني بمنزلة يوشع من موسى) ولم يقل له (أنت مني بمنزلة هرون من موسى) .

مما يدل على أن المنزلة المقصودة في الحديث هي منزلة الأخوة بين موسى وهرون. أو منزلة الاستخلاف أثناء الحياة. وليس الإمامة من بعده إذ أن هرون مات قبل موسى وكان الخليفة بعد موسى يوشع بن نون.

فهل خفي على النبي ( أن يوشع كان هو الخليفة بعد موسى وليس هرون؟

وكيف يخفى عليه هذا الأمر الذي لم يخف على الشيعة واعترفوا به؟

فقد رووا عن جعفر الصادق أنه سئل: « أيهما مات: هرون مات قبل أم موسى صلوات الله عليهما؟ قال: هرون مات قبل موسى» (بحار الأنوار12/11) .

أما إذا كان الحديث دالا على منزلة الأخوة فلا يكون أن يكون علي أخا للنبي وحده من دون باقي إخوانه الصحابة الآخرين.

ألستم تحتجون بهذه القاعدة (إثبات الشيء لا ينفي ما عداه) ؟

وبناء على هذه القاعدة نقول: إثبات أخوة علي للنبي لا تنفي أخوة الصحابة الآخرين للنبي.

وإذا كان هذا النص صريحا في الإمارة بعد النبي مباشرة: فهذا يعني أن النبي يتنبأ بما هو على خلاف الحق، وهو طعن في نبوته لأن عليا لم يكن هو الخليفة من بعد النبي (.

بل ويلزم من جعل المنزلة منزلة الإمامة بعد النبي مباشرة أن يكون علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو المتسبب في قلب الحديث رأسا على عقب.

فإنه جعل أبا بكر الصديق من النبي بمنزلة هرون من موسى بمجرد بايع أبا بكر بعد موت النبي ( وبايع عمر وعثمان. فتصير منزلة أبي بكر من النبي ببركة بيعة علي: بمنزلة هرون من موسى.

فقياس علي على هرون يبطله مبايعة علي لأبي بكر وعمر وعثمان. إذ كيف يخبره النبي أنه سوف يكون الخليفة من بعده ثم يذهب ويبايع أبا بكر بل وعمر بل وعثمان.

ألم يقل علي عندما عرضوا عليه الخلافة: « دعوني والتمسوا غيري… ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، ولأن أكون لكم وزيراً خيراً من أن أكون عليكم أميرأ » (نهج البلاغة 181-182) .

ألم يجعل بيعة أبي بكر شرعية ومرضية من الله حين قال «إنما الشورى للمهاجرين والأنصار. فإذا اجتمعوا على رجلٍ وسمّوه (إماماً) كان ذلك لله رضاً، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى » (نهج البلاغة 7:3) أي أن الله يرضى ما رضيه المهاجرون والأنصار.

وقال لمعاويةً « بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه الى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين » (نهج البلاغة 7:3) .

فإذا قلتم كان علي مكرها قلنا لكم (عذر أقبح من ذنب) فإننا لا نعلم مغلوبا على أمره يزوج أعداءه ابنته ويسمي أولاده بأسمائهم إلا غبي أحمق بلغ الذروة جبنا وحماقة. وحاشا لعلي أن يكون كذلك.

هل وعد الله الأئمة بنصرهم ثم خذلهم؟

هذا التناقض يذكرني بما عند النصارى. وهو أن المسيح أخبر اليهود أن الله سوف ينصره عليهم وسوف يأتي وقت يريدون قتله فلن يتمكنوا. لكنهم بعد ذلك تمكنوا منه وصلبوه ثم أخذ يصرخ قائلا « إيلي إيلي لم شبقتني. الذي معناه: إلهي إلهي لماذا تركتني» .

وقد شابه الرافضة النصارى بهذه التناقض. فزعموا أن الله وعد الأئمة بالنصر لكنه خذلهم وتركهم يبايعون الآخرين ويستعملون التقية في كل شؤونهم ثم يقرر آخرهم تعليق منصب الإمامة إلى إشعار آخر.

ألم تزعموا معشر الرافضة أن الله وعد أهل البيت بالاستخلاف؟

فعن أبي عبد الله في قوله تعالى ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ((النور:55) . قال: هم الأئمة» (الكافي1/150) .

ألم تزعموا أن الرسول ( وعد عليا بالاستخلاف كما في هذا الحديث(أنت مني بمنزلة هرون) : فيلزم الطعن في كلام الله ورسوله لأن كلا من الآية والحديث لم يتحققا. وأخلف الله وعده ورسوله!!!

مناسبة الحديث

والحديث له مناسبة حين زعم المنافقون أن النبي ( قد مله وكره صحبته فاستخلفه على النساء والصبيان فكان هذا القول من النبي ( مبطل لما زعموه. فقد استخلف النبي علياً في غزوة تبوك، وهي الغزوة التي لم يأذن لأحد في التخلف عنها(تاريخ الطبري 3/103-104، والبداية والنهاية لابن كثير 5/7) .

فقال المنافقون إنما استخلفه لأنه يبغضه كما جاء في خصائص أمير المؤمنين للنسائي برقم (43) وقال المحقق: إسناده صحيح.

ولهذا خرج عليّ إلى النبي ( وقال « خلّفتني على النساء والصبيان» ؟ فقال له النبي ( ذلك، وأراد أن يطيب قلبه وأبان له أن الاستخلاف لا يوجب نقصاً له، لأن موسى استخلف هرون على قومه فكيف يعدّ ذلك نقصاً، فرضي علي بذلك(فقال: رضيت رضيت) كما جاء في رواية ابن المسيب عند أحمد (فتح الباري7/92) .

لو كان هذا الاستخلاف من باب الفضائل الخاصة بعلي ومن الأدلة على منصب الإمامة لما وجد علي في نفسه امتعاضا من هذا الاستخلاف وقال: «أتجعلني مع النساء والأطفال والضعفة» ؟.

بل يفترض أن لا يعترض سيدنا علي بن أبي طالب على استخلاف النبي له في المدينة لأنه يبعث على الشك في مدى فهمه لمنصب الإمامة الإلهي بحسب ما زعم الشيعة، أو يبعث على تكذيب الشيعي تنزيها لعلي عن الجهل.

بل كان يفترض بعلي أن يسارع إليه ليكون دليلا له ولعقيدة الإمامة. وحتى لا يقال بأن عليا لم يكن على معرفة بشيء عن هذا المنصب الإلهي المزعوم.

ولكن لا يبدو حتى عند علي رضي الله عنه علم بشيء عن هذه المنزلة!

بخلاف شيعته فإنهم يحملون هذا الحديث ويدورون به، ويزعمون منزلة لم يكن علي على علم بها!!!

فهمهم للمنزلة طعن بمنزلة الأنبياء

كذلك يفهم الرافضة من الحديث أن عليا بمنزلة الرسول بما يجعله فوق منزلة الأنبياء لأن النبي محمد ( هو أفضل أنبياء الله. ومن هنا جعلوا هذا الحديث من أهم الأدلة على تفضيله على جميع الأنبياء بعد الحديث المكذوب « علي خير البشر ومن أبى فقد كفر» والذي صححه الشيعة.

بل تعدوا بوقاحة كل حد فنسبوا إليه النبوة كما زعم الرافضي ابن شهر آشوب أن الله قال « علي كسائر الأنبياء» . ثم روى عن النطنزي في الخصائص قال « أخبرني أبو علي الحداد قال حدثني أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن الأشج قال سمعت علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله ( يقول: إن اسمك في ديوان الأنبياء الذين لم يوح إليهم» (مناقب آل أبي طالب3/57 بحار الأنوار39/81) .

ولهذا اضطربوا في منزلة الإمام والنبي فلم يعودوا يجدون بينهما، حتى عقد المجلسي بابا بعنوان ( باب أن الأئمة أعلم من الأنبياء ) قال فيه: « ولا يصل عقولنا فرقٌ بين النبوة والإمامة » (بحار الأنوار 82:26 وانظر الكافي أيضاً 21: 260) .

ولننظر إلى منزلة هرون من موسى في القرآن ( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي 29 هرون أَخِي 30 اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي 31 وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي 32(. أي إجمع بيني وبينه في أمر النبوة كما قاله الطبرسي(مجمع البيان7/19 وقال مثله الطبري في تفسيره16/200) .

فإذا كان عليا لا يشرك النبي محمدا في أمر النبوة فلم يبق إلا الأخوة.

فإما أن يكون هذا وعدا من النبي ( وهذا الوعد لم يتحقق ويكون علي نفسه قد أسهم في إبطال قول النبي ( عمليا بمبايعته أبا بكر وعمر وعثمان. وإما أن يكون من تحميلات الشيعة للنصوص المعاني الباطلة مثل زعمهم أن المشكاة هي فاطمة والمصباح هو الحسن والزجاجة الحسين والشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أمية وأن عليا هو القمر إذا تلاها وأن البحرين هما علي وفاطمة.

هل شد النبي أزره بعلي؟

وقد نسب الشيعة إلى علي رضي الله عنه صمته عن سكوته عن جملة من الإهانات (زعموا) كضرب زوجته فاطمة بنت رسول الله، وقتل ابنها (محسن) حفيد رسول الله، وغصب فرج ابنتها (أم كلثوم) حفيدة رسول الله. وغصب منصب الإمامة الإلهي (زعموا) ، فلم ينتقم لعرض رسول الله، بل كافأ المعتدين الغاصبين (زعموا) بأن بايعهم وصار وزيرا لهم وسمى أبناءه الثلاثة بأسمائهم.

وبناء على ذلك فلا يكون علي متوافقا مع هرون في هذه الآية ( أشدد به أزري) إذ لا يكون علي صالحا لأن يشد النبي أزره به.

أن عليا لم يستعمل شيئا من هذه النصوص المزعومة كدليل على وجوب خلافته هو. فإن كان لعجز فيكون لا يستحق الإمارة. وإن كان يقدر ولم يفعل فهو خائن والخائن معزول عن الإمارة. وإن كان لم يعلم بالنص فهو لا يعلم ما كان وما يكون كما يدعي الشيعة. وحاشاه مما ينسبه الشيعة إليه من التناقضات.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام