فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم.
أخفى عنهم إمارة الصبيان ورأس الستين وهو زمن خلافة يزيد فاستجاب الله له ومات قبل خلافة يزيد بسنة. وأراد أبو هريرة اجتناب قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم. فالوعاء الذي لم يبثه هي الأحاديث التي تبين أسماء أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم (فتح الباري 1/216) . وكان يمشي في السوق ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان. (فتح الباري13/10) .
قال الحافظ «حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم كقوله أعوذ بالله من رأس الستين يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة. قال ابن المنير: جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنا وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين قال وإنما أراد أبو هريرة بقوله (قطع) أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم وقال غيره يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان فينكِر ذلك من لم يالفه ويعترض عليه من لا شعور له لا به» (فتح الباري1/216) .
وقال الذهبي «هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع أو المدح والذم أما حديث يتعلق بحل أو حرام فلا يحل كتمانه بوجه فإنه من البينات والهدى» وفي صحيح البخاري قول الإمام علي رضي الله عنه حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله وكذا لو بث أبو هريرة ذلك الوعاء لأوذي بالقتل ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلاني إحياء للسنة فله ما نوى وله أجر وإن غلط في اجتهاده» (سير أعلام النبلاء2/596) .
علي أخفى عن الصحابة القرآن. وأقسم أنهم لن يروا كتاب الله بعد يومهم هذا. فأي إخفاء أعظم: إخفاء تفاصيل أمراء السوء أم إخفاء القرآن؟