فإذا فعل ذلك _ أي التحقق _ فإن التنزيل يكون مبنياً على اجتهاد، وهو حري بأن يطابق النص الواقع.
وهذا التحقق والتبين مأمور به شرعاً قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] .
يقول الحافظ ابن كثير: (أمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتَاطَ له، لئلا يحكم بقوله فيكون -في نفس الأمر-كاذبًا أو مخطئًا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين) [1] .
والنبي - عليه السلام - قد أبان هذا الضابط بياناً شافياً من خلال تحققه - عليه السلام - من بعض الوقائع والحوادث، وسوف اقتصر على مثال متعلق بأشراط الساعة وهو حال النبي - عليه السلام - مع ابن صياد، حيث كان يٌظن أنه الدجال.
يقول ابن عمر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما: انطلق مع رسول الله - عليه السلام - في رهط من أصحابه قبل ابن صياد، حتى وجده يلعب مع الغلمان في أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله - عليه السلام - ظهره بيده، ثم قال: (أتشهد أني رسول الله) . فنظر إليه فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد: أتشهد أني رسول الله، فَرَضَّه النبي - عليه السلام - ثم قال: (آمنت بالله ورسله) .
ثم قال لابن صياد: (ماذا ترى) . قال: يأتيني صادق وكاذب، قال رسول الله - عليه السلام: (خلط عليك الأمر) . قال رسول الله - عليه السلام: (إني خبأت لك خبيئا) . قال: هو الدخ، قال: (اخسأ، فلن تعدو قدرك) .
قال عمر: يا رسول الله، أتأذن لي فيه أضرب عنقه، قال رسول الله - عليه السلام:
(إن يكن هو لا تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله) .
(1) تفسير ابن كثير 4/ 223.