والروم أكثر الناس (. قال عمرو بن العاص له - للمستورد القرشي: أبصر ما تقول! قال: وما لي أن لا أقول ما قاله رسول الله - عليه السلام -؟ قال: إن كان كذلك؛ فلأن في الروم خصالاً أربعاً: الأولى: أنهم أحلم الناس عند الفتنة، الثانية: أنهم أسرع الناس إفاقةً بعد مصيبة ... وعد الخصال الأربع وزاد عليها خامسة. [1]
قال أهل العلم: هذا الكلام من عمرو بن العاص لا يريد به أن يثني به على الروم والنصارى الكفرة؛ ولكن أراد أن يبين للمسلمين أن بقاء الروم وكونهم أكثر الناس إلى أن تقوم الساعة؛ لأنهم عند حدوث الفتن هم أحلم الناس؛ ففيهم من الحلم ما يجعلهم ينظرون إلى الأمور ويعالجونها؛ لأجل أن لا تذهب أنفسهم , ويذهب أصحابهم.
وهذا التنبيه لطيف؛ لأن النبي - عليه السلام - بيَّن أنه لا تقوم الساعة حتى يكون الروم أكثر الناس؛ لماذا؟!.
قال عمرو بن العاص: (لأن فيهم خصالاً أربعاً: الأولى(وهي التي تهمنا من تلك الخصال) : أنهم أحلم الناس عند فتنة)؛ يعني: إذا ظهرت تغير الحال, وظهرت الفتن؛ فإنهم يحلمون , ولا يعجلون , ولا يغضبون؛ ليقوا أصحابهم النصارى القتل ويقوهم الفتن؛ لأنهم يعلمون أن الفتنة إذا ظهرت؛ فإنها ستأتي عليهم؛ فلأ جل تلك الخصلة فيهم بقوا أكثر الناس إلى قيام الساعة.
ولهذا؛ فإننا نعجب أن لا نأخذ بهذه الخصلة التي حمد بها عمرو بن العاص الروم, وكانت فيهم تلك الخصلة الحميدة ونحن أولى بكل خير عند من هم سوانا [2] .
وكما أن التأني مطلوب في كل أحوال المسلم فهو مطلوب كذلك لمن أراد تنزيل النصوص على الوقائع والحوادث؛ لأن المسألة خطيرة ودقيقة وتحتاج إلى استفراغ الجهد كما سبق في تتبع النصوص ثم فهمها، ثم تنزيلها، وكل ذلك يفتقر إلى التأني والتمهل
(1) أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس 4/ 2222 (2898) .
(2) انظر: الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن ص 15.