حيث ادعى جهيمان ومن معه أن محمد بن عبدالله القحطاني هو المهدي الذي بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث، اعتماداً على منامات ورؤى.
يقول جيهمان قائد حملة الاعتصام: (والذي نستوحي من الأحاديث والمرائي الصالحة أن هذا أوان خروج المهدي، فلعل الله أن يقيضه لنا ويرحمنا به، وقد جاء في الحديث [1] أن الطائفة الذين معه يلوذون بالبيت الحرام، وما نرى ذلك إلا من محاربة الناس لهم في كل مكان، حتى لا يجدوا ملجأ إلا بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمنا، وورد أنه يغزوه والطائفة الذين معه جيش ثم يخسف بهذا الجيش، وهذا الجيش ليس من اليهود ولا من النصارى ولا من الشيوعية، بل من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيا ترى من يجهز لهذا الجيش. الله أعلم!!) [2] .
وقال أيضا:
(هذا ولا يفوتنا أن ننبه على أهمية الرؤيا وعدم الاستهانة بها، بخلاف ما عليه أكثر الناس اليوم من عدم الاهتمام بها، والاستهانة بشأنها، مع كثرة الأحاديث الصحيحة فيها في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما.
ولا سيما الرؤيا في هذه الأيام فما بعد قول النبي - صلى الله عليه وسلم: (في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب) رواه البخاري.
ويعلم الله أننا لولا خشية الفتنة، وأن يكون مدخلاً لأهل الشبه والأهواء!! لذكرنا بعضاً مما رُئي للإخوان من المرائي الصالحة، إذ فيهم حتى من رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الإخوان ومن غيرهم، ولكن من أراد ذلك فسيجده بالتفصيل عند إخواننا الموجودين اليوم) [3] .
وقد أبلغ جهيمان وجماعته الناس عند المغرب، أنه اليوم ستخسف الأرض بالجيش القادم إلينا، ولم تخسف الأرض بالطبع.
فقالوا للناس: أرجئ الأمر أربعة أيام أخرى، وهلم جرا [4] ، واستمر القتال عشرين يوماً تقريباً.
فهذه الفتنة العظيمة التي حلت بأرض الحرم المكي الشريف كان من أسبابها منامات ورؤى أسقطها أصحابها على الواقع.
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - [5] في معرض رده على هذه الفئة: (أما اعتماد المنامات في إثبات كون فلان هو المهدي فهو مخالف للأدلة الشرعية، ولإجماع أهل العلم، والإيمان؛ لأن المرائي مهما كثرت لا يجوز الاعتماد عليها في خلاف ما ثبت به الشرع المطهر؛ لأن الله سبحانه أكمل لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولأمته
(1) مراده ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (سيعوذ بهذا البيت قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة، يبعث اليهم حيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم) .
(2) انظر: حقيقة الخوارج في الشرع وعبر التاريخ، فيصل بن قزاز الجاسم، ط. الأولى (الكويت: دار غراس 1426 هـ/2005 م) ، ص 110 - 111. ورسالة) دعوة الأخوان كيف بدأت وإلى أين تسير ص 10_11.
(3) .المرجع السابق ص 110 - 111.
(4) انظر: تصريحات خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد - رحمه الله - وكان آنذاك ولياً للعهد، نشرت في جريدة الرياض يوم الأحد 25 صفر سنة 1400 هـ الموافق 13 يناير 1980 م.
(5) ابن باز: هو عالم عصره، وفريد دهره، وعلاّمة زمانه، سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن آل باز، ولد بالرياض عام 1330 هـ، وكان بصيراً في أول دراسته، ثم ضعف بصره عام 1346 هـ لمرض أصابه في عينيه، ثم ذهب بصره بالكلية في أول عام 1350 هـ، حفظ القرآن قبل بلوغه، ثم تلقى العلوم الشرعية والعربية على أيدي علماء الرياض وغيرها. وقد تولى عدة أعمال منها: القضاء بالخرج، ثم التدريس بالمعهد العلمي وكلية الشريعة بالرياض، ثم نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة، ثم رئيساً لها، ثم عُيِّن رئيساً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء برتبة (وزير) ، بالإضافة إلى تعيينه مفتياً عاماً للسعودية، ولي عضوية في كثير من المجالس العلمية والإسلامية، توفي عام 1420، له مؤلفات كثيرة، منها: (التحقيق والإيضاح) و (التحذير من البدع) و (ثلاث رسائل في الصلاة) و (نقد القومية العربية) .
انظر: ترجمة الشيخ - رحمه الله - لنفسه في أول مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 1/ 9 ـ 12 أشرف على جمعها وطبعها د. محمد بن سعد الشويعر.