> > وقوله: ^ ( ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً ) ^ أي: لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة ، > فتكون بمنزلة القبور ، فأمر بتحري النافلة في البيوت ، ونهى عن تحري النافلة عند القبور . > وهذا ضد ما عليه المشركون من النصارى وأشباههم . > > ثم إن في تعظيم القبور ، واتخاذها أعياداً ، من المفاسد العظيمة التي لا يعلمها إلا الله > ما يغضب لأجله كل من في قلبه وقار لله وغيرة على التوحيد ، وتهجين وتقبيح للشرك ، > ولكن ما لجرح بميت إيلام . > > فمن المفاسد: اتخاذها أعياداً والصلاة إليها ، والطواف بها ، وتقبيلها واستلامها ، > وتعفير الخدود على ترابها ، وعبادة أصحابها ، والاستغاثة بهم ، وسؤالهم النصر والرزق > والعافية وقضاء الدين ، وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات وغير ذلك من أنواع الطلبات التي > كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم . فلو رأيت غلاة المتخذين لها عيداً ، وقد نزلوا عن > الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد ، فوضعوا لها الجباه ، وقبلوا الأرض ، وكشفوا > الرؤوس ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج ، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج ، ورأوا أنهم قد > أربوا في الربح على الحجيج ، فاستغاثوا بمن لا يبدئ ولا يعيد ، ونادوا ولكن من مكان > بعيد ، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين ، ورأوا أنهم قد أحرزوا من الأجر ما لم > يحرزه من صلى إلى القبلتين ، فتراهم حول القبر ركعاً سجداً ، يبتغون فضلاً من الميت > ورضواناً ، وقد ملؤوا أكفهم خيبة وخسراناً . > > فلغير الله - بل للشيطان - ما يراق هناك من العبرات ، ويرتفع من الأصوات ، ويطلب > من الميت من الحاجات ، ويسأل من تفريج الكربات ، وإغاثة اللهفات ، وإغناء ذوي > الفاقات ، ومعافاة ذوي العاهات والبليات ، ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين ، تشبيهاً له > بالبيت الحرام الذي جعله الله مباركاً وهدى للعالمين ، ثم أخذوا في التقبيل والاستلام . > أرأيت الحجر الأسود وما يفعل به وفد البيت الحرام ؟ ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود > التي يعلم الله أنها لم تعفر كذلك بين يديه في السجود . ثم كملوا مناسك حج القبر بالتقصير > هناك والحلاق ، واستمتعوا بخلاقهم من ذلك الوثن . إذ لم يكن لهم عند الله من خلاق ، وقد > قربوا لذلك الوثن القرابين ، وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين ، فلو > رأيتهم يهنئ بعضهم بعضاً ويقول: أجزل الله لنا ولكم أجراً وافراً وحظاً ، فإذا رجعوا > سألهم غلاة المتخلفين أن يبيع أحدهم ثواب حجة القبر بحجة المتخلف إلى البيت الحرام . > فيقول: لا ولا بحجك كل عام . > > هذا ، ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم ، ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم ، إذ هي > فوق ما يخطر بالبال ، ويدور في الخيال ، وهذا مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح كما تقدم > وكل من شم أدنى رائحة من العلم والفقه يعلم أن من أهم الأمور سد الذريعة إلى هذا >