> المشركون جميعها قطعاً ، يعلم من تأمله وعرفه أن من اتخذ من دون الله ولياً ، فمثله كمثل > العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ، فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما > يحصل له به من النفع ، والنفع لا يكون إلا ممن يكون فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك > لما يريد عابده منه ، فإن لم يكن مالكاً كان شريكاً للمالك ، فإن لم يكن شريكاً له ، كان معيناً > له وظهيراً ، فإن لم يكن معيناً ولا ظهيراً ، كان شفيعاً عنده ، فنفى سبحانه المراتب الأربع نفياً > مرتباً منتقلاً من الأعلى إلى ما دونه ، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها > المشرك ، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك وهي الشفاعة بإذنه ، قال: فهو الذي يأذن > للشافع ، وإن لم يأذن له لم يتقدم في الشفاعة بين يديه كما يكون في حق المخلوقين ، فإن > المشفوع عنده يحتاج إلى الشافع ومعاونته له ، فيقبل شفاعته وإن لم يأذن له فيها ، وأما كل > ما سواه فقير إليه بذاته وهو الغني بذاته عن كل ما سواه ، فكيف يشفع عنده أحد بدون إذنه ؟ > فكفى بهذه الآية نوراً وبرهاناً ونجاة وتجريداً للتوحيد ، وقطعاً لأصول الشرك ومواده لمن > عقلها . > > والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها ، ولكن أكثر الناس لا لا يشعرون بدخول الواقع تحته ، > وتضمنه له ، ويظنه في نوع ، وقوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثاً . وهذا الذي يحول بين > القلب وبين فهم القرآن ، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا ، فقد ورثهم من هو مثلهم وشر > منهم ودونهم ، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك ، ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب > رضي الله عنه: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروةَ ، إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف > الجاهلية . وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك ، وما دعا به القرآن وذمه ، وقع فيه > وأقره ، ودعا إليه وصوبه وحسنه ، وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه الجاهلية ، أو نظيره أو > شر منه أو دونه ، فتنتقض بذلك عرى الإسلام ، ويعود المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً ، > والبدعة سنة ، والسنة بدعة ، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد ، ويبدع بتجريد > متابعة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ومفارقة الأهواء والبدع . ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عياناً ، فالله > المستعان . > > وقال الله تعالى حاكياً عن أسلاف هؤلاء المشركين: ^ ( والذين اتخذوا مِن دونهِ > أَولياء ما نعبُدهم إِلا ليقربونا إِلى اللهِ زُلفى إِن الله يَحكُم بينهم في ما هُم فيه يختلفون إِنَّ الله > لا يهدى من هو كذبٌ كَفَارٌ ) ^ [ الزمر: 3 ] فهذه حال من اتخذ من دون الله ولياً يزعم أنه > يقربه إلى الله تعالى ، وما أعز من يخلص من هذا بل ما أعز من يعادي من أنكره . والذي في > قلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله ، وهذا عين الشرك . وقد أنكره > الله عليهم في كتابه ، وأبطله ، وأخبر أن الشفاعة كلها له ، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا لمن أذن > الله تعالى أن يشفع له فيه ، ورضي قوله وعمله . وهم أهل التوحيد الذين لم يتخذوا من دون >