فهرس الكتاب
الصفحة 62 من 132

قاعدة مهمة وهي أن الكفر والشرك إذا اقترنا افترقا ودليله ما ذكرنا من آيات كقوله تعالى (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَاوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (آل عمران:151) . وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة: 6) . (فلما اقترن الكفر والشرك فرق الله تعالى هنا بين الشرك والكفر فالكفر أعم من الشرك لأنه يدخل فيه كل خروج عن الدين كتكذيب الرسل أو تحريف الكتب أو غيرها من أنواع الكفر وأما الشرك فهو اتخاذ الأنداد من دون الله تعالى وهذه الحقيقة لا يدخل فيها إلا ما في معناها كشرك الدعوة والإستغاثه والسجود وغيرها من أنواع الشرك. لذا ذكر الله تعالى وصف أهل الكتاب والمراد هنا بوصف أهل الكتاب من خرج من الدين منهم.

فكل وصف أطلقه الله تعالى في كتابه لابد وأنه تعالى يريد أن يفارق به غيره من الأوصاف فالكفر في آية البينة جعله الله تعالى عاما وذكر من أقسامه أهل الكتاب والمشركين ثم إن أهل الكتاب وصف يفارق وصف المشركين. و إذا افترقا قد يراد بالكفر الشرك ولكن هنا يكون المراد به الشرك الذي أقيمت على صاحبه الحجة كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الحج: 25) والمراد بهذه الآية قريش وكان سبب كفرهم غالبه الشرك. و قوله تعالى (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون: 117) فهنا ذكر الله تعالى وصف الشرك وختم الآية بالكفر لبيان أن الشرك سبب لدخول النار والكفر والحساب الشديد.

فمن تتبع نفي الفلاح في كتاب الله تعالى يجده غالبا مقيد الكفر والظلم والإجرام. كما قال تعالى (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (القصص: 82) .

و قال (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) ) الأنعام: 21 (و قال(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (يونس: 17 (وكل هذه الأوصاف لا تكون إلا بعد قيام الحجة. و أما إذا انفرد الشرك فليس من شرطه أن تكون الحجه مقامه فيه إلا بقرينة كما قال تعالى(حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج(31: فهذه الآية عامة تشمل من أقيمت عليه الحجه ومن لم تقم عليه.

و قوله تعالى)إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء: 48) .

و قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام