والمتأمل في بعض الكتابات يلحظ القصور في هذين الجانبين أوفي أحدهما، ويرجع ذلك إلى عدد من الأمور منها:
1 -طيشان القلوب عند حدوث الفتن وعدم البصيرة:
فإن الفتن إذا وقعت عمي على كثير من الناس وجه الحق فيها، وكثر الكلام واللغط وخاصة من الغوغاء، حتى إنه في بعض الفتن تطيش العقول والقلوب، فلا يتبين للمرء الصواب إلا بعد زوالها وانقشاعها، ولذا أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإمساك عند الفتن.
وقد نص العلماء - رحمهم الله - على أن الفتن إذا أقبلت التبس أمرها على العامة، وإذا أدبرت علمها الناس كلهم.
ومما يدل على هذا المعنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما شبه الفتن بأنها تموج كموج البحر [1] ، وفي هذا إشارة واضحة إلى قوتها وشدتها، ثم إلى تتابعها، وإلى أنه لا يمكن لأحد أن يقف أمامها؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يقف أمام موج البحر، وأن الناس أمام هذه الفتن ستضطرب حركتهم، ويختل توازنهم، وتضيق صدورهم وينقطع نفسهم وهذه حال من يصارع الموج. [2]
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية /: (وذلك أن الفتن إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت، فأما إذا أقبلت فإنها تزين ويظن أن فيها خيراً، فإذا ذاق الناس ما فيها من الشر والمرارة والبلاء صار ذلك مبيناً لهم مضرتها وواعظاً لهم أن يعودوا في مثلها) [3] وقال أيضاً: (الفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها) [4] وقال: (والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، فصار الأكابر ش عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها، وهذا شأن الفتن كما قال تعالى واتقوا فتنة لاتصيبن الذين
(1) سبق تخريجه ص 34.
(2) انظر: فتح الباري 6/ 701، وموقف المسلم من الفتن ص 107 - 108.
(3) منهاج السنة 4/ 409
(4) المرجع السابق 4/ 467