> > قلت: فتبين بهذا أن الشرك أعظم الذنوب ، لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره ، أي: إلا > بالتوبة منه ، وما عداه ، فهو داخل تحت مشيئة الله إن شاء غفره بلا توبة وإن شاء عذب به . > وهذا يوجب للعبد شدة الخوف من هذا الذنب الذي هذا شأنه عند الله ، وإنما كان كذلك ، > لأنه أقبح القبح وأظلم الظلم إذ مضمونه تنقيص رب العالمين ، وصرف خالص حقه لغيره ، > وعدل غيره به كما قال تعالى: ! 2 < ثم الذين كفروا بربهم يعدلون > 2 ! [ الأنعام: 1 ] ولأنه > مناقض للمقصود بالخلق والأومر مناف له من كل وجه ، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين ، > و الاستكبار عن طاعته والذل له ، والانقياد لأوامره الذي لا صلاح للعالم إلا بذلك . فمتى > خلا منه خرب وقامت القيامة ، كما قال [ صلى الله عليه وسلم ] : ' لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله > الله ' رواه مسلم . ولأن الشرك تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى وتقدس في خصائص الإلهية > من ملك الضر والنفع ، والعطاء والمنع الذي يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل > وأنواع العبادة كلها بالله وحده . فمن علق ذلك لمخلوق فقد شبهه بالخالق وجعل من لا > يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً فضلاً عن غيره شبيهاً بمن له الخلق > كله ، وله الملك كله وبيده الخير كله ، وإليه يرجع الأمر كله . فأزمة الأمور كلها بيديه > سبحانه ، ومرجعها إليه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما > منع ، الذي إذا فتح للناس رحمة ، فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده ، وهو > العزيز الحكيم . فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات بالقادر الغني بالذات ، ومن > خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، > وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء > والإنابة والتوكل والتوبة والاستعانة وغاية الحب مع غاية الذل كل ذلك يجب عقلاً وشرعاً > وفطرة أن يكون لله وحده ، ويمتنع عقلاً وشرعاً وفطرة أن يكون لغيره ، فمن فعل شيئاً من > ذلك لغيره ، فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا مثل له ولا ند له ، وذلك أقبح التشبيه > وأبطله ، فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه أنه لا يغفره مع أنه كتب على نفسه الرحمة ، هذا > معنى كلام ابن القيم . > > وفي الآية رد على الخوارج المكفرين بالذنوب ، وعلى المعتزلة القائلين بأن أصحاب > الكبائر يدخلون النار ولا بد ، ولا يخرجون منها ، وهم أصحاب المنزلة بين المنزلتين . > ووجه ذلك أن الله تعالى جعل مغفرة ما دون الشرك معلقة بالمشيئة ، ولا يجوز أن يحمل هذا على التأكيد ، فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره كما قال تعالى في الآية > الأخرى: ^ ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب