> > بحار الظلمات ، والشفاء الذي من عدمه ، حلت بقلبه جميع الأسقام ، واللذة التي من لم يظفر > بها ، فعيشه كله هموم وآلام ، وهي روح الإيمان والأعمال ، والمقامات والأحوال التي متى > خلت منها ، فهي كالجسد الذي لا روح فيه ، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا > بشق الأنفس بالغيها ، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا أبداً بدونها واصليها ، وتبوئهم من > مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولا هي داخليها . > > تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة ، وقد قضى الله تعالى يوم قدر مقادير > الخلائق ، بمشيئته وحكمته البالغة ، أن المرء مع من أحب ، فيا لها من نعمة على المحبين > سابغة . تالله لقد سبق القوم السعاة ، وهم على ظهور الفرش نائمون ، ولقد تقدموا الركب > بمراحل وهم في مسيرهم واقفون ، وأجابوا مؤذن الشوق ، إذ نادى بهم: حي على الفلاح ، > وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم ، وكان بذلهم بالرضى والسماح ، وواصلوا > إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح ، تالله لقد حمدوا عند الوصول مسراهم ، وشكروا > مولاهم على ما أعطاهم ، وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح . وأطال في وصفها فراجعه > في ' المدارج ' . > > واعلم أن المحبة قسمان ، مشتركة وخاصة: فالمشتركة ثلاثة أنواع . > > أحدها: محبة طبيعية ، كمحبة الجائع للطعام ، والظمآن للماء ، ونحو ذلك . وهذه لا > تستلزم التعظيم . > > الثاني: محبة رحمة وإشفاق ، كمحبة الوالد لولده الطفل و وهذه أيضاً لا تستلزم > التعظيم . > > الثالث: محبة أنس وألف ، وهي محبة المشتركين في صناعة ، أو علم أو مرافقة أو > تجارة أو سفر لبعضهم بعضاً ، وكمحبة الإخوة ، بعضهم بعضاً . فهذه الأنواع الثلاثة ، التي > تصلح للخلق ، بعضهم من بعض ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله ، ولهذا كان > رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل ، وكان يحب نساءه ، وعائشة أحبهم إليه ، وكان يحب > أصحابه ، وأحبهم إليه الصديق ، رضي الله عنه . > > القسم الثاني: المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله ، ومتى أحب العبد بها غيره ، كان > شركاً لا يغفره الله ، وهي محبة العبودية ، المستلزمة للذل ، والخضوع والتعظيم ، وكمال > الطاعة ، وإيثاره على غيره . فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلاً كما حقه ابن القيم ، > وهي التي سوى المشركون بين الله تعالى وبين آلهتهم فيها . كما قال تعالى في الآية التي > ترجم لها المصنف: ! 2 < ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا > 2 ! [ البقرة: 165 ] قال ابن > كثير: يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا ، وما لهم في الآخرة من العذاب والنكال >