أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئا ولا يتمكن من الفهم وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم في حديث الأسود وأبي هريرة وغيرهما.
الأصل الرابع:
أن أفعال الله سبحانه وتعالى تابعة لحكمته التي لا يخل بها وأنها مقصودة لغايتها المحمودة وعواقبها الحميدة وهذا الأصل هو أساس الكلام في هذه الطبقات إلا من عرف ما في كتب الناس ووقف على أقوال الطوائف في هذا الباب وانتهى إلى غاية مراتبهم ونهاية إقدامهم والله الموفق للسداد الهادي إلى الرشاد.
مختصرا من كتاب"طريق الهجرتين"لابن القيم رحمه الله 0
مسألة: قد يقول قائل إن هذه القواعد في الكفار الأصليين، فكيف تنزل على أهل القبلة؟
والجواب: أن من فعل فِعل الكفار الأصليين الحق بهم، ومن أراد مزيد بحث في ذلك فليراجع"كشف الشبهات"فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تكلم عن هذه الشبهة وكشف زيفها، وراجع أيضا كتاب"الحقائق في التوحيد في: باب من فَعَل فِعْل المشركين الأصليين أو اليهود أو النصارى وغيرهم من ملل الكفر أُلحق بهم".
قال تعالى: {وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولاتكونن من المشركين} ، وقال تعالى: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً} ، وقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} ، وقال تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} .
وعن ابن عمر مرفوعا (( من تشبه بقوم فهو منهم ) ) [رواه أبو داود] ، وعن أبي سعيد مرفوعا (( لتتبعن سنن من كان قبلكم فذكر اليهود والنصارى ) ) [متفق عليه] .
وقال ابن تيمية فيمن جعل الآيات النازلة خاصة لمن نزلت بسببه ولا يشمل النوع أو المثال فقال: (فلا يقول مسلم أن آية الظهار لم يدخل فيها إلا أوس بن الصامت وآية اللعان لم يدخل فيها إلا عاصم بن عدي وأن ذم الكفار لم يدخل فيه إلا كفار قريش ونحو ذلك مما لا يقوله مسلم ولا عاقل) [الفتاوى 16/ 148] .
وقال أبا بطين: (أما قول من يقول أن الآيات التي نزلت بحكم المشركين الأولين فلا تتناول من فعل فعلهم فهذا كفر عظيم) ، قال: (ويلزم منه أن الحدود المذكورة في القرآن والسنة لأناس كانوا وانقرضوا! فلا يُحد الزاني اليوم ولا تقطع يد السارق وبطل حكم القرآن) [الدرر 10/ 418] انتهى كلامه.