فهرس الكتاب
الصفحة 90 من 127

الشرح: يقول تعالى مخاطباً لرسوله { ? وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ } أي سألت المنافقين الَّذين تكلَّموا بكلمة الكفر استهزاءً { ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } أي: يعتذِرونَ بأَنَّهم لم يقصدوا الاستهزاء والتَّكذيب ، إِنَّما قصدوا الخوضَ في الحديث واللَّعِب: { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } لم يعبأ باعتذارهم إِمَّا لأَنَّهم كانوا كاذبين فيه ، وإِمَّا لأَنَّ الاستهزاء على وجه الخوضِ واللَّعِب لا يكون صاحبُه معذوراً ، وعلى التقديرين فهذا عذرٌ باطلٌ ، فإِنَّهم أخطئوا موقعَ الاستهزاء . وهل يجتمع الإيمان بالله ، وكتابه، ورسوله ، والاستهزاءُ بذلك في قلب ؟ ! بل ذلك عينُ الكفرِ فلذلك كان الجواب مع ما قبله { لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } قال شيخ الإسلام: فقد أمره أنْ يقول: كفرتم بعد إيمانِكم . وقول من يقول: إنَّهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانِهم مع كفرهم أوَّلاً بقلوبهم لا يصحُّ ، لأنَّ الإيمان باللِّسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر . فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانِكم فإِنَّهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر ، وإنْ أُرِيد: إِنَّكم أظهرتُمُ الكفرَ بعد إظهارِكم الإيمان ، فهم لم يُظهروا ذلك إلاَّ لخوضهم ، وهم مع خوضهم مازالوا هكذا ، بل لما نافقوا وحذِروا أنْ تنزِل عليهم سورَةٌ تبيِّنُ ما في قلوبِهم من النِّفاق وتكلَّموا بالاستهزاءِ ، أي: صاروا كافرين بعد إيمانهم . ولا يدلُّ اللفظ على أَنَّهم مازالوا منافقين إلى أَنْ قال تعالى: { وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } فاعْتَرَفوا ولهذا قيل: { لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً } فدلَّ على أَنَّهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أَتَوا كُفْراً ، بل ظنُّوا أَنَّ ذلك ليس بكفرٍ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام