فهرس الكتاب
الصفحة 106 من 127

(( والمعنى أنَّ الله تعالى نبَّأَ رسوله بما كان يقوله هؤلاء المنافقون في أثناء السَّير إلى تبوك من الاستهزاء بتصدِّيه لقتال الرُّوم الَّذين ملأَ صيتُهم بلاد العرب بما كان تجَّارهم يرَوْنَ من عَظَمَةِ مُلكِهم في الشَّام إذْ كانوا يرحلون إليها في كل صيفٍ ، نبَّأه نبأً مؤكَّداً بصيغة القَسَم أنَّه إِنْ سألهم عن أقوالهم هذه يعتذرون عنها بأَنَّهم لم يكونوا فيها جادِّين و لا مُنْكِرين، بل هازلين لاعبين ، كما هو شأن الذين يخوضون في الأحاديث المختلفة للتَّسلي والتلهِّي ، وكانوا يظنُّون أَنَّ هذا عذرٌ مقبولٌ لجهلهم أَنَّ اتِّخاذ أمور الدِّين لعِباً ولهواً ، لا يكونُ إلاَّ ممَّن اتَّخذه هُزُواً ، وهو كفرٌ محضٌ ، ….. فإنْ قيلَ: ظاهرُ هذا أَنَّهم كانوا مؤمنين فكفروا بهذا الاستهزاء الذي سمّوه خوضاً ولَعِباً ، وظاهرُ السِّياق أنَّ الكفرَ الَّذي يسِّرُّونَه ، هو سببُ الاستهزاء الذي يعلنونه ؛ قلنا: كلاهما حقٌّ ، ولكلٍّ منهما وجهٌ ، فالأوَّل: بيانٌ لحكم الشَّرع وهو أنَّهم كانوا مؤمنين حكماً، فإنَّهم ادَّعوا الإيمان ، فجرت عليهم أحكامُ الإسلام ، وهي إنَّما تبنى على الظواهر ، والاستهزاء بما ذُكِرَ عمل ظاهر يقطع الإسلام ويقتضي الكفرَ ، فبه صاروا كافرين حكماً ، بعد أن كانوا مؤمنين حكماً، والثاني: وهو ما دلَّ عليه السِّياق هو الواقع بالفعل ، والآية نصٌّ صريح في أنَّ الخوضَ في كتاب الله وفي رسوله وفي صفاتِ الله تعالى ووعده ووعيده وجعلِها موضوعاً للَّعِب والهُزْء ؛ كلَّ ذلك من الكفر الحقيقيِّ الذي يخرج به المسلم من الملَّة وتجري عليه به أحكامُ الرِّدَّة ، إلاَّ أنْ يتوبَ ويجدِّدَ إسلامَه ) ) (1) .

العلاَّمة عبد الرَّحمن بن ناصر بن سعديّ. ت:1376هـ

(1) "تفسير المنار" (10/529-531) دار المعرفة ط 1414هـ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام