فهرس الكتاب
الصفحة 88 من 127

ثمَّ أخبر تعالى أنَّ على هؤلاء المرتدِّين ، الشَّارحين صدورَهم بالكفر وإنْ كانوا يقطعون على الحقِّ ، ويقولون ما فعلنا هذا إلاَّ خوفاً ، فعليهم غضبٌ من الله ، ولهم عذابٌ عظيمٌ ثم أخبر تعالى أَنَّ سبب هذا الكفر والعذاب ليس بسبب الاعتقادِ للشِّرك أو الجهل بالتَّوحيد ، أو البغض للدِّين أو محبَّة للكفر ، وإِنَّما سببه: أنَّ له في ذلك حظَّاً من حظوظ الدُّنيا فآثره على الدِّين وعلى رضى ربِّ العالمين . فقال: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (1) فكفَّرهم تعالى ، وأخبر أَنَّه لا يهديهم مع كونهم يعتذرونَ بمحبَّة الدُّنيا. ثم أخبر تعالى أنَّ هؤلاء المرتدِّين لأجل استحباب الدُّنيا على الآخرة هم الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، وأنَّهم الغافلون . ثم أخبر خبراً مؤكَّداً محقَّقاً أَنَّهم في الآخرة هم الخاسرون.

وهكذا حال هؤلاء المرتدِّين في هذه الفتنة ، غرَّهُم الشيطان وأَوهمَهم أَنَّ الخوف عذرٌ لهم في الرِّدَّة ، وأَنَّهم بمعرفة الحق ومحبَّته والشَّهادة به لا يضرُّهم ما فعلوه . ونَسَوا أَنَّ كثيراً من المشركين يعرفون الحقَّ ، ويحبُّونه ويشهدون به ولكنْ يتركون متابعتَه والعملَ به: محبَّة للدُّنيا وخوفاً على الأنفس والأموال والمأكل والرِّياسات . ثم قال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّل اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ (2) } فأخبر تعالى أنَّ سبب ما

جرى عليهم من الرِّدَّة وتسويل الشيطان ، والإملاء لهم ، هو قولهم للذين كرهوا ما نزَّل الله: سنطيعكم في بعض الأمر.

(1) سورة النحل: 107.

(2) سورة محمد: 26 .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام