ثامناً: هذا الكتاب ليس ردَّاً على شُبُهات المرجئة ، فهذا يقتضي حصر شبهاتهم والردَّ عليها بالوَحْيَيْنِ - الكتاب والسنَّة - ثم ذكر أقوال الصَّحابة والتَّابعين ومن تبعهم من العلماء . لكنَّه ردٌّ على من ينسب للسَّلف القولَ بحصر التَّكفير في الاعتقاد فقط وأَنَّ هذا قول سائر العلماء، فأردْتُ أَنْ أُبَيِّنَ بُعْدَ هذا الزَّعم عن الصَّواب . أمَّا الرَّدُّ على المرجئة وشبهاتهم فقد كُفيناه منذ قرونٍ ، وقد ظهرت في السَّنوات الأخيرةِ كتبٌ ورسائلُ قيِّمةٌ عن نواقض التَّوحيد ، ونواقض الإيمان الاعتقاديَّة والقوليَّة والعمليَّة ، والتَّكفير وضوابطه ، وكتبٍ عن الإرجاء والمرجئة يمكن الرجوع إليها لمن أراد معرفةَ شبهاتهم و الرُّدود عليها.
تاسعاً: وحيث كانت هذه النُّقولات تعالج مسألةَ التَّكْفير بالقول والفعل من جهة مغايرة لما عليه أهل الإرجاء ، إلا أَنَّني أُحبُّ أَنْ أُنَبِّه إلى أََنَّ التَّكفير حكم شرعيٌّ له حدوده وضوابطه التي ينبغي مراعاتها ، فلا بدَّ من قيام الحجَّةِ وتحَقُّق الشُّروط وانتفاء الموانع كالجهل والتَّأْويل والخطأ والإكراه ، كما أَنَّه لابدَّ من التَّفْريق بين أّنْ تقول: هذا القول أو الفعل كفرٌ أو رِدَّةٌ ، وبين التَّكفير المطلق كأَنْ تقول: من فعل كذا فهو كافرٌ أو مُرتَدٌّ ، وبين تكفير المُعَيَّن فتقول: فلانٌ كافرٌ . وقد بسط هذا شيخ الإسلام ابن تيميَّة (1) وغيره في كتبهم فلتراجع .
…كما أُحبُّ أَنْ أُحذِّرَ من الوقوع في فتنة الإرجاء و شبهِهِ الضَّالَّة لخطورة آثاره السَّيِّئة على الإسلام و المسلمين .
(1) وذلك بقوله: (( وحقيقة الأمر في ذلك: أنّ القول قد يكون كفراً، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال من قال كذا فهو كافر لكن الشخص المعيّن الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجَّة التي يكفر تاركها ) )انظر"مجموع الفتاوى" (23/345) .