فهرس الكتاب
الصفحة 52 من 192

جواب: كما ذكرنا فقد كان الأصل الذي تفرعت عنه كل هذه البدع في باب الإيمان هو الظن أن الإيمان لا يتجزأ ولا يتبعض؛ إما أن يقوم كله أو يذهب كله؛ فإذا ذهب بعضه ذهب كله فلم يبق منه شيء.

هذا الأصل الذي جعل المرجئة يخرجون العمل عن مسمى الإيمان -عمل الجوارح عندهم كلهم وعمل القلب عند غلاتهم كالجهمية وأمثالهم- هو نفسه الأصل الذي جعل الخوارج والمعتزلة من جهة أخرى يقولون بسقوط الإيمان جملة -والذي هو عندهم مجموع ما أمر الله به ورسوله- إذا ذهبت بعض أجزائه؛ وخلود صاحبه في النار إذا مات على هذا [1] .

إذن فقد ضل الخوارج والمعتزلة بنفس الأصل الذي ضل به المرجئة وهو اعتقادهم جميعاً أنه لا يجتمع في العبد الواحد طاعة يستحق بها الثواب، ومعصية يستحق بها العقاب.

ولا يتصور عندهم أن الشخص الواحد يدخل الجنة والنار جميعاً؛ بل عندهم من دخل إحداهما لم يدخل الأخرى.

ولهذا أنكروا خروج أحد من النار، أو الشفاعة في أحد من أهل النار؛ وقالوا: إن أصحاب الكبائر ليس معهم من الإيمان شيء؛ وجزموا بأن الله لا يغفر لهم إلا بالتوبة [2] .

ونصوص القرآن والسنة وأقوال السلف والأئمة ترد على هذا: فقد قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) [النساء: 48] ، فجعل ما دون ذلك الشرك معلقاً بمشيئته؛ ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب، لأن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره [3] .

وأيضاً فقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه يخرج أقوام من النار بعد ما دخلوها؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام دخلوا النار. وهذه الأحاديث حجة على الطائفتين:"الوعيدية"الذين يقولون: من دخلها من أهل التوحيد لم يخرج منها؛ وعلى"المرجئة الواقفة"الذين يقولون: لا ندري هل يدخل من أهل التوحيد النار أحد أم لا؟! [4] .

وأيضاً فقد دلت النصوص على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بأسباب أخرى كثيرة غير التوبة؛ منها الاستغفار؛ والحسنات الماحية؛ ودعاء المؤمنين للمؤمن وصلاتهم على جنازته؛ وما يعمل للميت من

(1) الإيمان لابن تيمية ص209 والإيمان الأوسط ص52.

(2) الإيمان لابن تيمية ص337 والإيمان الأوسط ص43.

(3) الإيمان الأوسط ص23.

(4) المصدر السابق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام