فهرس الكتاب
الصفحة 25 من 192

سؤال (22) : هل هذا معناه أن يحكم المسلم على الآخرين بظواهرهم إن خيراً بخير وإن شراً بشر؟

جواب: لما كان العبد ليس له سلطان الاطلاع على بواطن الآخرين وسرائرهم؛ فقد جعل الشارع ظاهر الناس دليلاً على باطنهم؛ فإن أظهروا الخير حُكم لهم بالخير ظاهراً وباطناً، وإن أظهروا الشر حكم لهم بالشر ظاهراً وباطناً."ومن هنا جعلت الأعمال الظاهرة في الشرع دليلاً على ما في الباطن؛ فإن كان الظاهر منحرفاً حُكم على الباطن بذلك، أو مستقيماً حكم على الباطن بذلك أيضاً. وهو أصل عام في الفقه وسائر أحكام العاديات والتجريبيات، بل الالتفات إليها من هذا الوجه نافع في جملة الشريعة جداً، والأدلة على صحته كثيرة جداً."

وكفى بذلك عمدة أنه الحاكم بإيمان المؤمن وكفر الكافر وطاعة المطيع وعصيان العاصي وعدالة العدل وجرح المجرد. وبذلك تنعقد العقود وترتبط المواثيق، إلى غير ذلك من الأمور، بل هو كلية التشريع وعمدة التكليف بالنسبة إلى إقامة حدود الشعائر الإسلامية الخاصة والعامة" [1] ."

وأما عن أحكام الآخرة ومآلات العباد؛ فهذا لا شأن لنا به؛ وإنما حساب ذلك وعلمه إلى الله وحده. فكون المرء يُظهر لنا الإيمان ويبطن الكفر حتى يموت على ذلك دون أن ينكشف أمره لنا؛ أو كونه يظهر الكفر ويبطن الإيمان لموانع شرعية لا تظهر لنا -كإكراه أو غيره- أو غير ذلك من أمور لا تظهر لنا، مثل أن يختم الله لعبد ما بتولة لم نطلع عليها -مما لا يعلمه إلا الله وحده- فهذا مما لا إحاطة لنا به في حدود طاقتنا البشرية عقلاً وشرعاً؛ وهو مما قد لا يظهره الله لنا إلا في الآخرة فقط. ولذلك كان من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يحكمون لمعين بجنة أو نار، إلا بدليل خاص من قرآن أو سنة؛ دون أن يقدح ذلك في قاعدة الشريعة وهي إجراء الأحكام في الدنيا على مقتضى الظواهر [2] .

والخلاصة أن"الإيمان له ظاهر وباطن؛ وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح؛ وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته. فلا ينفع ظاهر لا باطن له -وإن حقنت به الدماء وعصم به المال والذرية- ولا يجزئ باطن لا ظاهر له -إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك- فتخلف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان، ونقصه دليل نقصه، وقوته دليل قوته" [3] .

(1) الموافقات للشاطبي جـ1 ص233.

(2) راجع مثلاً رياض الصالحين باب 59"إجراء أحكام الناس على الظواهر"؛ وإعلام الموقعين جـ3 ص99 فصل الأحكام تجري على الظواهر.

(3) الفوائد لابن القيم ص117.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام