فهرس الكتاب
الصفحة 32 من 192

جواب: فرقت النصوص الشرعية بين ما هو من المعاصي مخرج من الملة وبين ما هو غير مخرج من الملة؛ فأخبرت أن الأولى لا تغفر إلا بالتوبة وتجديد الإيمان؛ وأن الأخيرة في مشيئة الله، إن شاء عذب، وإن شاء عفا وغفر.

قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) [النساء: 48] ؛ فجعل ما دون الشرك معلقاً بالمشيئة؛ ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب، لأن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره؛"فظاهر النصوص والإجماع أن التوبة الصحيحة بشروطها تكفر الذنب قطعاً وتقطع بقبول إسلام الكافر" [1] .

وكذلك قال الله تعالى: (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) [الحجرات: 7] ؛ ففرق بين المعاصي وجعلها ثلاثة أنواع: نوع منها كفر؛ ونوع منها فسوق وليس بكفر وهي الذنوب الكبا؛ ونوع عصيان وليس بكفر ولا فسوق وهي جميع المعاصي. وأخبر أنه كرّهها كلها إلى المؤمنين [2] .

وقد ذهب جماهير السلف والأئمة إلى أن المعاصي -التي هي دون الكفر المخرج من الملة- تنقسم إلى كبائر وصغائر؛ ووردت الأحاديث الصحيحة التي سمى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بعض المعاصي كبائر وإن لم تحصوها الأحاديث في عدد معين [3] .

ولذلك اختلفت عبارات العلماء في تعريف الكبيرة وتمييزها عن الصغيرة [4] ؛ فكثير منهم يرجح أن الكبيرة هي كل معصية يترتب عليها حد، أو توعد عليها بالنار أو اللعنة أو الغضب. وذهب البعض إلى أنها كل معصية يقدم المرء عليها متجرئاً مستخفاً متهاوناً بها غير مستشعر خوف أو ندم. وقال البعض: إن المعصية إذا ساوت مفسدتها مفسدة الكبائر المنصوص عليها أو أربت عليها، فهي من الكبائر، وقال آخرون: إن الإصرار على الصغيرة بقلة مبالاة من المرء بدينه فهو بمثابة ارتكاب الكبيرة؛ وكذلك الإكثار من فعل الصغائر ولو كانت مختلفة فهو كارتكاب الكبيرة.

(1) جامع العلوم والحكم ص144، فتح المبين ص166.

(2) الإيمان لابن تيمية ص36 ومختصر ابن كثير جـ3 ص311.

(3) الإيمان لنعيم ياسين ص123.

(4) المرجع السابق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام