فهرس الكتاب
الصفحة 24 من 192

جواب: ظاهر المرء -عند السلف والأئمة- هو الوجه الآخر لقلبه وباطنه؛ وهو انعكاس مباشر له لا يتخلف عنه ولا يغايره؛ ومن المحال والممتنع شرعاً وعقلاً أن يكون الباطن على حال بينما يكون الظاهر على حال آخر مغاير له [1] ؛ ولكن إذا كان الباطن صالحاً كان الظاهر صالحاً بحسبه؛ وإذا كان الباطن فاسداً كان الظاهر فاسداً بحسبه [2] .

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب) "متفق عليه".

والظاهر يرتبط أساساً بعمل القلب من الإذعان والتسليم والمحبة والخشية والتوقير؛ أكثر مما يرتبط بقول القلب من العلم والمعرفة والتصديق. فإن"من اعتقد الوحدانية في الألوهية لله سبحانه وتعالى، والرسالة لعبده ورسوله؛ ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام الذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح؛ بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والإزدراء -بالقول أو بالفعل- كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه؛ وكان ذلك موجباً لفساد ذلك الاعتقاد ومزيلاً لما فيه من المنفعة والصلاح .. فإذا صدر هذا عمن يعتقد النبوة والرسالة، لكن لم يأت بموجب هذا الاعتقاد من التوقير والانقياد؛ صار بمنزلة إبليس حيث اعتقد ربوبية الله سبحانه بقوله"ربّ"، وقد أيقن أن الله أمره بالسجود؛ ثم لم يأت بموجب هذا الاعتقاد من الاستسلام والانقياد" [3] .

الظاهر والباطن إذن -عند السلف والأئمة- وجهان لحقيقة واحدة؛ وما يقوم بأحدهما يتعدى حكمه إلى الآخر؛ فكما أن الإيمان ظاهر وباطن، والمطلوب شرعاً هو الظاهر والباطن، وكلاهما إيمان؛ فكذلك الكفر ظاهر وباطن، والمحظور شرعاً هو الظاهر والباطن، وكلاهما كفر. وكما نسمي الظاهر إيماناً ونحكم على صاحبه بالإيمان ظاهراً وباطناً؛ فكذلك نسمي الظاهر كفراً، ونحكم على صاحبه بالكفر ظاهراً وباطناً. هذا هو مذهب السلف والأئمة من أهل السنة والجماعة: أن كل من يظهر الكفر فهو كافر باطناً وظاهراً عندهم كلهم [4] .

(1) في حالة الإكراه الملجئ يكون القلب مطمئناً بالإيمان مريداً بالضرورة أن يظهر إيمانه ويعبر عنه متى زال الإكراه الواقع عليه ولكنه وبرخصة شرعية تبيح له ذلك يظهر العكس حتى إذا ما زال الإكراه الملجئ عاد فأظهر الإيمان وعبر عنه وإلا فإذا ما استمر مظهراً للكفر بالرغم من زوال الإكراه الملجئ فلا بد أن يكون القلب فاسداً ومنشرحاً بالكفر. وأما في حالة النفاق فإن باطن المرء يكون فاسداً بينما قد يحاول صاحبه أن لا يظهر عليه أثر هذا الفساد الباطن أمام الآخرين وقد ينجح أحياناً في خداعهم ولكنه في خاصة نفسه لا بد وأن ينعكس هذا الفساد الباطن على ظاهره وجوارحه بتخلف واجبات الإيمان الظاهرة بينه وبين ربه. راجع مجموع الفتاوى لابن تيمية جـ 14 ص120.

(2) الإيمان لابن تيمية ص176 والإيمان الأوسط ص83 والصلاة لابن القيم ص22 وجامع العلوم والحكم ص65.

(3) الصارم السلول ص369.

(4) الإيمان لابن تيمية ص385، والصارم المسلول ص369.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام