فهرس الكتاب
الصفحة 37 من 192

جواب: إذا استقرأنا موارد الاستعمال القرآني للفظي"الإيمان"و"الإسلام"نستخلص قاعدة تقرر أنهما"إذا اجتمعنا افترقا وإذا افترقا اجتمعا" [1] .

"أما أنهما إذا اجتمعا افترقا"فمعناه أنهما إذا اقترنا في سياق واحد؛ عبّر الإيمان عن الباطن من علم القلب وعمله؛ وعبر الإسلام عن الظاهر من القول والعمل [2] . هذا اعتبار. وأما الاعتبار الثاني، فهو أن يعبر الإيمان عن القول الباطن والظاهر؛ ويعبر الإسلام عن العمل الباطن والظاهر [3] .

وأما الاعتبار الثالث؛ فأن يعبر الإيمان عن القول الباطن، ويعبر الإسلام عن العمل الباطن؛ ويكون اجتماعهما محققاً"لأصل الدين"او"أصل الإيمان"أو"الإيمان المجمل"أو"الإسلام العام"الذي هو دين الرسل والأنبياء أجمعين؛ ومن ثم يكون ما في الخارج أي الظاهر من سلوك متوقفاً على شرط اجتماعهما [4] .

"وأما أنهما إذا افترقا اجتمعا"فمعناه أنه إذا ذكر أحد اللفظين منفرداً -في معرض المدح والثناء- كان المراد بالمذكور: معناه ومعنى صاحبه؛ ولم يكن ترك الآخر إغفالاً له؛ بل اتكالاً على ما بينه وبين المذكور من ارتباط في قصد الشارع؛ وبالتالي في ذهن السامع.

فكلا الأمرين مطلوب عند الشارع، وقد جعلهما قواماً لحقيقة واحدة هي الدين، وناط باجتماعهما مصالح في العاجل، وربط بهما أجزية موعودة في الآجل؛ فثبت أن كلا منهما عند الله متمم لصاحبه كشرط في استحقاق الثناء الجميل. فإذا مدح المؤمن، أريد به المؤمن المسلم، الذي أخذت حقيقة الإيمان عنده مظاهرها وثمراتها العملية؛ وإذا مدح المسلم، أريد به المسلم المؤمن، الذي يكون عنوانه الظاهري ترجماناً صادقاً لما في نفسه؛ فعامة البشارات الكلية في القرآن التي بشر بها المؤمنين إنما هي موجهة إلى المؤمن المتحلي بالعمل الصالح [5] .

العمل إذن يدخل دخولاً مبدئياً في الإيمان؛ فلا يتصور إيمان بدون عمل؛ سواء كان هذا العمل باطناً أو ظاهرا؛ وسواء كان في أصل الإيمان أو في كماله الواجب أو في كماله المستحب [6] .

(1) المختار من كنوز السنة ص73 وجامع العلوم والحكم ص24.

(2) الإيمان لابن تيمية ص13.

(3) المصدر السابق ص223 - 230 وص327.

(4) المصدر السابق ص320 وجامع العلوم ص25.

(5) المختار من كنوز السنة ص73.

(6) ولذلك نقرر أن تحقق الإيمان دون تحقق أي قدر من العمل بالجوارح بعد ذلك -وليس المقصود هنا ذكر عمل معين- أمر غير منصور عندي عقلاَ وشرعاً؛ ومن العبث مناقشة أصحاب هذا القول وإضاعة الوقت والجهد معهم؛ والأولى عرض وتفنيد أفكار مشائخهم من أئمة المرجئة والجهمية؛ فالقضية معهم أخطر من مجرد ترك العمل بالكلية أو ترك جنس العمل بل هي قضية نقض الإيمان من أصله قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام