فهرس الكتاب
الصفحة 4 من 192

سؤال (2) : هناك من يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خاطب الناس بلغة العرب لم يغيرها، والإيمان في لغة العرب هو مجرد التصديق، فيكون مراده صلى الله عليه وسلم بالإيمان هو مجرد التصديق، والتصديق يكون بالقلب أو بالقلب واللسان، فالأعمال ليست من الإيمان [1] . فما الجواب عليهم؟

جواب: لقد قررنا ابتداء أنه لاحاجة بنا مع بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله به من القرآن أن نعرف اللغة قبل نزول القرآن. ومع ذلك فإن أهل اللغة لم يتواتر عنهم أن الإيمان قبل نزول القرآن هو التصديق؛ وكذلك لم يثبت عنهم أن لفظ الإيمان مرادف للفظ التصديق معنى واستخداماً، بل المعروف في مقابلة لفظ الإيمان لفظ الكفر، بينما يقابل لفظ التصديق. لفظ التكذيب.

إن الإسم عند العرب قد يكون مطلقاً وعاماً؛ ثم يدخل عليه قيد يخص من معناه؛ ولذلك فإن الألفاظ لا ينطق بها ولا تستعمل إلا مقيدة؛ حيث يفهم الذهن من اللفظ في كل موضع ما يدل عليه اللفظ في ذلك الموضع. فليس لأحد أن يحمل كلام أحد من الناس إلا على ما عرف أنه أراده، لا على ما يحتمله اللفظ في كلام كل أحد [2] .

والشارع قد استعمل الألفاظ أيضاً مقيدة لا مطلقة، وذلك على الوجه الذي يختص بمراد الشارع؛ وذلك بعد أن بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الخصائص. وهو إنما قال: [أقيموا الصلاة] بعد أن عرّفهم الصلاة المأمور بها، فكان التعريف منصرفاً إلى الصلاة التي يعرفونها؛ وليس إلى مطلق الدعاء. وكما أن الصلاة دعاء مخصوص فكذلك الصيام إمساك مخصوص، والزكاة انفاق مخصوص، والحج قصد مخصوص [3] .

وهكذا الإيمان؛ حتى إن كان أصله التصديق؛ فهو تصديق مخصوص له لوازم صارت داخلة في مسماه عند الإطلاق. فلو فرض أن الإيمان في اللغة هو التصديق، فحينئذ يكون الإيمان في كلام الشارع أخص من الإيمان في اللغة؛ حيث بين لنا الشارع أنه لا يكتفي بتصديق القلب واللسان؛ فضلاً عن تصديق القلب وحده؛ بل لا بد أن يعمل بموجب ذلك التصديق، وأن التصديق الذي لا يكون الرجل مؤمناً إلا به هو أن يكون تصديقاً على هذا الوجه من غير تغيير للغة ولا نقل عنها. فلو قال قائل للنبي صلى الله عليه وسلم أنا أعلم أنك صادق ولكن لا أتبعك بل أعاديك وأبغضك وأخالفك ولا أوافقك؛ لكان كفره أعظم من مجرد التكذيب.

فإذا كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط؛ بل قد يكون تكذيباً، وقد يكون مخالفة ومعاداة وامتناعاً بلا تكذيب؛ فلا بد أن يكون الإيمان تصديقاً مع موافقة وموالاة وانقياد؛ لا يكفي مجرد التصديق [4] .

(1) الإيمان لابن تيمية ص274.

(2) المصدر السابق ص33، ص117 - 123.

(3) الإيمان ص281.

(4) الإيمان ص277.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام