فهرس الكتاب
الصفحة 42 من 192

جواب: بينما أدخل جمهور السلف والأئمة أعمال الجوارح في مسمى الإيمان -عند إطلاقه- إلى جانب الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان؛ فإن الإمام أبا حنيفة رحمه الله وأصحابه من فقهاء الكوفة وعبادها قد خالفوا الجمهور وقصروا مسمى الإيمان على عنصري الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان فقط [1] ؛ وأخرجوا العمل بالجوارح من مسمى الإيمان عند إطلاقه مستدلين ببعض شواهد من الشرع؛ منها تفريق كثير من النصوص الشرعية بين الإيمان والعمل [إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات] ؛ وجعل الإيمان شرطاً لقبول العمل [ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن] ؛ وكذلك الخطاب بـ [يا أيها الذين آمنوا] قبل وجود الأعمال.

ولقد أطلق الحنفية لفظ"التصديق"على الجانب الباطني من الإيمان مقابل لفظ"الاعتقاد"عند بقية الأئمة والسلف. ولكن التصديق عند الحنفية ليس مجرد التصديق الخبري المجرد؛ بل هو التصديق الانقيادي الإذعاني المؤدي إلى القبول والطاعة والاستسلام؛ فهم"يجعلون الإيمان: التصديق والالتزام معاً" [2] . فدخول عمل القلب عندهم في مسمى الإيمان يعتبر أمراً مبدئياً وقضية مفروغاً منها، شأنهم في هذا شأن بقية السلف والأئمة.

وأما عن الإقرار باللسان فقد"كانوا يجعلون قول اللسان واعتقاد القلب في الإيمان، لم يختلف قولهم في ذلك، ولا نقل عنهم أنهم قالوا: الإيمان مجرد تصديق القلب" [3] ؛ بل"عرفوا أن الإنسان لا يكون مؤمناً إن لم يتكلم بالإيمان مع قدرته عليه" [4] . فالقول الظاهر إذن من الإيمان الذي لا نجاة للعبد إلا به عند عامة السلف والأئمة من الحنفية وغيرهم وأن من لم يأت بالشهادتين مع القدرة فهو كافر باطناً وظاهراً عندهم جميعاً [5] .

وأما عن عمل الجوارح؛ فإن الحنفية متفقون مع بقية السلف والأئمة على أن الله سبحانه وتعالى أراد من العباد القول والعمل جميعاً وأن الأعمال المفروضة واجبة وتاركها مستحق للذم والعقاب؛ وكذلك فعل المحرمات أصحابها داخلون تحت الذم والوعيد؛ وأن من أهل الكبائر من يدخل النار ثم يخرج

(1) الإيمان لابن تيمية ص114.

(2) الإيمان لابن تيمية ص379 والمسامرة ص285 وص295 وص 297 وص307 - 308. ولقد أطلق كثير من أئمة السنة على الإيمان لفظ التصديق إذا كان مفهوماً على وجهه الصحيح بدخول عنصر الانقياد أو الإذعان أو الاستسلام في مسماه؛ منهم الإمام أحمد رحمه الله. راجع الإيمان لابن تيمية ص379 والصلاة لابن القيم ص19 ومعارج القبول جـ2 ص19. وفي هذا قطع للطريق على الجهمية المعاصرين الذين يتمحكون في كلام الحنفية لإثبات أن الإيمان بزعمهم هو مجرد التصديق الخبري والكفر هو مجرد التكذيب. راجع كذلك فيض الباري جـ 1 ص138.

(3) الإيمان الأوسط ص50.

(4) الإيمان لابن تيمية ص183.

(5) الإيمان لابن تيمية ص207 وص287 والإيمان الأوسط ص151.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام