فهرس الكتاب
الصفحة 55 من 192

إن أقل الأفكار المنحرفة؛ في باب الإيمان؛ انتشاراً في الأمة هي أفكار الخوارج والمعتزلة، والتي تتبلور في صورة عملية محددة؛ هي تكفير مرتكب المعصية واعتباره خارجاً عن ملة الإسلام، بكل ما يترتب على ذلك من أحكام؛ كاستحلال الخوارج للدماء والأموال والأعراض المحرمة بدون سلطان من الله؛ دع عنك التاريخ السيء لهذه الفرقة في علاقتها بالأمة؛ مما خلق حاجزاً نفسياً وفكرياً ضد هذه الفرقة قديماً وحديثاً؛ دون أن يقلل ذلك من خطورة أفكارها وأثرها الضار في شق جماعة المسلمين.

إن المسلم يظل في دين الله حتى وهو في أشد حالات المعصية؛ تركاً للواجبات أو ارتكاباً للمحرمات؛ طالما أنه لم يأت بناقض بيّن جليّ لنا فيه من الله برهان من نواقض الإيمان قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً؛ هذه هي عقيدة السلف وأئمة أهل السنة والجماعة.

أما أكثر الأفكار المنحرفة تأثيراً ضاراً في المة؛ كيفاً وكماً، فهي أفكار فرق المرجئة بدرجاتها المختلفة؛ خاصة أن هذه الأفكار قد تبنتها مدارس"سلوكية"ومعاهد"علمية"، وعملت على بثها في الأمة على أنها تمثل مذهب أهل السنة! فتسربت هذه الأفكار إلى عقل وسلوك كثير من الناس بلا وعي بحقيقة ما تمثله هذه الأفكار ومدى انحرافها عن مذهب الأئمة وسلف الأمة.

لقد دمرت أفكار المرجئة الخبيثة عقائد كثير من الناس قديماً وحديثا، وأفسدت عليهم دينهم ودنياهم وآخرتهم. حيث سقطت قيمة العمل الظاهر من حس هؤلاء الناس وشعورهم الديني؛ وتجرأوا على المعاصي؛ كما انهارت كلية الشريعة وقاعدتها الكبرى في تلازم الظاهر بالباطن؛ واختلطت الظواهر، فأفسق الخلق وأفحشهم خلقاً وسلوكاً قد يكون -عند هؤلاء المرجئة أفضل من أزهد الناس وأكثرهم وردعاً وعبادة؛ فالجميع مؤمنون، والظواهر شيء، والبواطن شيء آخر! ولكن أخبث ما أنتجته أفكار المرجئة في واقعنا المعاصر أن استقر عند كثير من الناس أن الإيمان هو التصديق وأن الكفر هو التكذيب فقط! فاختلت الموازين التي يزن بها هؤلاء الناس واقعهم تجاه دينهم؛ وتحت زعم أنهم مصدقون وغير مكذبين لله ورسوله، وطالما أن الإيمان هو مجرد التصديق، وتحت ضغط الشهوات ووطأتها، فقدت القلوب المحبة الواجبة لله ورسوله، والتعظيم الواجب لهما، والانقياد والطاعة لحكمهما؛ وامتلأت القلوب بحب الأغيار وتعظيمها والانقياد والطاعة لها؛ ونما النفاق وترعرع حتى كانت الحال التي قال الله تعالى فيها: (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ) [آل عمران: 167] .

واختلت كذلك الموازين التي يزن بها هؤلاء الناس الواقع من حولهم؛ فأخطأوا مرة أخرى في حق أنفسهم ودينهم؛ حيث لم ينزلوا أحكام الله على واقعها الصحيح؛ فضلوا في التعامل مع واقع كثير من الأحوال وفق منهج الله وشرعه؛ فطالما أن واقع هذه الأحوال المحيطة لم يعلن التكذيب لله ورسوله"بصريح اللفظ"، وطالما أن الإيمان هو مجرد التصديق، وأن الكفر هو فقط التكذيب؛ فإن هذا الواقع عندهم واقع مؤمن بالله ورسوله حتى وإن فسق وانسلخ عن حكم الله ورسوله، أو والى أعداء الله ورسوله أو قاتل أولياء الله ورسوله؛ أو هزأ بدين الله وسخر من سنة رسوله!

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام