فهرس الكتاب
الصفحة 26 من 192

جواب: المنافق هو الذي دخل في الإيمان ظاهراً ولكنه لم يحقق الإيمان باطناً [1] . فالناس في الحقيقة إذن ينقسمون إلى: مؤمن باطناً وظاهراً؛ وكافراً باطناً وظاهراً؛ ومنافق: كافر في الباطن مع كونه مسلماً في الظاهر [2] .

على أن هناك تعميمات خاطئة بشأن المنافقين؛ منها أنهم مكذبون بقلوبهم ومصدقون بألسنتهم. وهذا فعلاً أحد صنفي المنافقين؛ ولكن ليس كل المنافقين هكذا؛ بل هناك صنف آخر، وهم الذين يعرفون الحق بقلوبهم وينقادون له أحياناً؛ إلا أن ضعف الإيمان في قلوبهم يجعلهم ينقلبون على أعقابهم أحياناً أخرى؛ إما ضعفاً في قول القلب وتردداً وشكاً، وإما ضعفاً في عمل القلب من الانقياد والمحبة والتعظيم والتوقير.

أما عن الصنف الأول فقد ضرب الله عز وجل لهم"المثل الناري"في أول سورة البقرة: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) [البقرة: 17، 18] .

"وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا؛ كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع" [3] .

وأما عن الصنف الآخر فهم أصحاب"المثل المائي": (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ، يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 19، 20] .

"هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة، ويشكّون تارة أخرى؛ فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وتردهم"كصيب"والصيب المطر [4] ".

"المنافقون إذن قسمان: خُلّص، وهم المضروب لهم المثل الناري. ومنافقون يترددون، تارة يظهر لهم لمع الإيمان وتارة يخبو، وهم أصحاب المثل المائي" [5] . فهم جميعاً إذن يعرفون الحق وينقادون له أحياناً، فمنهم من ينقلب على عقبيه ويرتد إلى الكفر الخالص؛ ومنهم يظل على حيرته وتردده بين الحق والباطن؛ تارة يكون إلى هذا أقرب، وتارة إلى ذلك أقرب.

(1) الإيمان لابن تيمية ص284.

(2) تفسير ابن كثير حـ 1 ص52 - 56.

(3) تفسير ابن كثير حـ1 ص52 - 56.

(4) المصدر السابق.

(5) المصدر السابق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام