فهرس الكتاب
الصفحة 28 من 192

جواب: مذهب الأئمة وسلف الأمة أن الرجل قد يجتمع فيه إيمان ونفاق؛ والعبرة هنا بوجود أصل الإيمان أو سقوطه؛ فإن أصاب النفاق هذا الأصل فنقضه باعتقاد أو بقول أو بفعل، فهو النفاق الأكبر الذي يخرج بصاحبه عن ملة الإسلام، ويقبع به في الدرك الأسفل من النار والعياذ بالله.

وأما إذا ما أصاب النفاق فروع الإيمان وشعبه؛ فهو النفاق الأصغر، أو نفاق دون نفاق"، أو نفاق غير مخرج من الملة؛ وصاحبه من أهل الوعيد، وحكمه حكم عصاة الموحدين [1] ؛ وهذا هو النفاق الذي كان الصحابة رضي الله عنهم يخشونه على أنفسهم؛ فهم لم يخافوا التكذيب لله ورسوله، فإن المؤمن يعلم من نفسه أنه لا يكذب الله ورسوله يقيناً؛ ولكن الإيمان ليس مجرد التصديق؛ بل لا بد من أعمال قلبية تستلزم أعمالاً ظاهرة [2] ."

فحال كثير من المنافقين أنهم يقفون بالكاد على حد الإسلام، وتتأرجح قلوبهم بين الإيمان والكفر؛ فأحياناً هم للإيمان أقرب، وأحياناً (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ) [آل عمران: 167] ، فمنهم من يتوفاه الله على الإسلام؛ ومنهم من يُفتن بالشبهات أو الشهوات فينهار تصديقه أو انقياده القلبي عن الحد الأدنى الذي ينجو به، ويسقط في ظلمات الكفر الأكبر ويرتد عن الإسلام، عياذاً بالله.

"فتبين أن من المنافقين من كان آمن ثم كفر باطناً؛ وهذا مما استفاض به النقل عند أهل العلم بالحديث والتفسير والسير؛ أنه كان رجال آمنوا ثم نافقوا؛ وكان يجري ذلك لأسباب: منها أمر القبلة لما تحولت، ارتد عن الإيمان لأجل ذلك طائفة، وكانت محنة امتحن الله بها الناس. وكذلك أيضاً لما انهزم المسلمون يوم أحد وشج وجه النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، ارتدت طائفة نافقوا؛ فقد كان قبل ذلك فيهم نفاق مغلوب، فلما كان يوم أحد غلب نفاقهم" [3] .

فلو مات هؤلاء قبل الامتحان لماتوا على الإسلام ودخلوا الجنة. ولهذا ذم الله المنافقين بأنهم دخلوا في الإيمان ثم خرجوا منه" [4] ."

ولهذا قيل: (لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة 66] [5] .

"وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا؛ وأكثرهم إذا ابتلوا بالمحن التي يتضعضع فيها أهل الإيمان ينقص إيمانهم كثيراً، وينافق أكثرهم أو كثير منهم، ومنهم من يظهر الردة إذا كان العدو غالباً؛ ولقد رأينا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة. وإذا كانت العافية، أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم؛ كانوا"

(1) الإيمان لابن تيمية ص332 والرياض الناضرة للسعدي ص240.

(2) الإيمان لابن تيمية ص258 وص288 وص332.

(3) الإيمان لابن تيمية ص258 وص288 وص332.

(4) المصدر السابق.

(5) الإيمان لابن تيمية ص258 وص288 وص332.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام