فهرس الكتاب
الصفحة 46 من 192

جواب: ذهبت المرجئة -شأنهم في ذلك شأن الخوارج والمعتزلة- إلى أن الإيمان معنى واحد لا يتجزأ ولا يتبعض؛ ولا يبقى منه جزء ويذهب آخر؛ بل إما أن يقوم كله أو يذهب كله؛ فإذا ذهب بعضه ذهب كله فلم يبق منه شيء.

وهذا هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في باب الإيمان [1] .

ولذلك قامت المرجئة على اختلاف فرقهم: لا تذهب الكبائر وترك الواجبات الظاهرة شيئاً من الإيمان؛ إذ لو ذهب شيء منه لم يبق منه شيء؛ فيكون شيئاً واحداً يستوي فيه البر والفاجر [2] .

واعتقدوا أن الشخص الواحد لا يجتمع فيه إيمان ونفاق؛ أو بعض الإيمان وبعض الكفر؛ أو ما هو إيمان وما هو كفر؛ أو طاعة يستحق عليها الثواب ومعصية يستحق عليها العقاب؛ أو دخول النار ودخول الجنة [3] .

وبناء على ذلك فقد توقفت طائفة من المرجئة في أحاديث الشفاعة، وقالوا: لا ندري هل يدخل من أهل التوحيد النار أحد أم لا؟ وهم"المرجئة الواقفة".

بينما نُسب إلى"غلاة المرجئة"أنهم قالوا: لن يدخل النار من أهل التوحيد أحد [4] ؛ وأنه لا يضر مع الإيمان ذنب؛ أو مع التوحيد؛ وإن كان لا يُعرف لهذا قائل معين؛ وقد يكون قول من لا خلاق له من فساقهم ومنافقيهم [5] .

فمن قال لا يضره ترك العمل؛ فهذا كفر صريح [6] .

وعامة فرق المرجئة يُدخلون أعمال القلوب في مسمى الإيمان؛ فالإيمان عندهم هو التصديق والانقياد؛ وهم لا ينازعون في أن الإيمان الذي في القلب يدعو إلى فعل الطاعة ويقتضي ذلك، والطاعة من ثمراته ونتائجه. ولكن مشكلتهم الحقيقية أنهم ينازعون في مدى تلازم الظاهر بالباطن، وهل تحقق الإيمان الباطن يستلزم الطاعة والانقياد الظاهر أيضاً؟

(1) الإيمان لابن تيمية ص209.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق ص386.

(4) الإيمان لابن تيمية ص337، والإيمان الأوسط ص43.

(5) المصدر السابق ص172.

(6) المصدر السابق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام