جواب: يمكن تقسيم المنافقين من حيث ظاهر أمرهم إلى ثلاثة أقسام [1] :
[1] القسم الأول: هم الذين كتموا نفاقهم فلم يظهروه. وهؤلاء قال الله تعالى عنهم: (لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) [التوبة: 101] .
وواضح أنهم تجري عليهم أحكام الإسلام في الدنيا، وسرائرهم ومآلاتهم في الآخرة إلى الله عز وجل حيث لا ينكشف أمرهم إلا يوم القيامة.
[2] القسم الثاني: هم الذين قامت عليهم البينة الشرعية الظاهرة، وتبين نفاقهم. فهؤلاء مرتدون خارجون من الإسلام إلى الكفر؛ والحكم بكفرهم ثابت بنص القرآن: (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ) [التوبة: 74] . (لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 66] [2] .
وحكمهم هو القتل ردة: (أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) [الأحزاب: 61] ؛ (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ) [النساء: 89] .
ولكن قد يُترك قتلهم درءاً لمفسدة قد تترتب على قتلهم أعظم من مفسدة تركهم أحياء؛ مثلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل بعضهم خوفاً من أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. فسد الذرائع والنظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً؛ فقد يكون أصل الفعل مشروعاً ولكن مآله غير مشروع [3] .
[3] القسم الثالث: هم الذين لم تقم عليهم البينة الشرعية؛ رغم تكرر أفعالهم الدالة على نفاقهم وذلك لاتخاذهم أيمانهم جنة؛ ورغم علم النبي صلى الله عليه وسلم بإخبار الوحي له بعضهم بأعيانهم وبحقيقة بواطنهم وأحوالهم. فإن هؤلاء لا سبيل إليهم إلا بأمر ظاهر من جنس البينات الشرعية الظاهرة؛ وذلك لجريان الأحكام الشرعية على مقتضى الظواهر.
"وهؤلاء لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم فيهم بحكم الكفار المظهرين للكفر؛ وكان صلى الله عليه وسلم حكمه في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم، لا يستحل منها شيئاً إلا بأمر ظاهر؛ مع أنه كان يعلم نفاق كثير منهم. وكان"
(1) حد الإسلام للشاذلي ص234 وص284 وص500.
(2) الذين كفروا بعد إسلامهم: هم الذين أظهروا الإسلام ولكنهم لم يزالوا باطناً كفاراً لم يحققوا أصل الإيمان ابتداء حتى جاء هذا الموقف الذي أظهروا فيه الكفر الذي كان مختفياً في باطنهم. والذين كفروا بعد إيمانهم: هم الذين حققوا أصل الإيمان ابتداء فدخلوا في دائرة الدين باطناً وظاهراً ولكنهم فُتنوا في موقف معين فارتدوا كفاراً خارجين عن الملة وإن كانوا قد لا يظنون عند أنفسهم أنهم قد أتوا كفراً بعد إيمانهم.
(3) الموافقات للشاطبي، جـ4 ص194 تعليق الشيخ دراز.