فهرس الكتاب
الصفحة 31 من 192

صلى الله عليه وسلم أولاً يصلي عليهم ويستغفر لهم، حتى نهاه الله عن ذلك. وكان من مات منهم صلى عليه المسلمون الذين لا يعلمون أنه منافق، ولم يكن منهياً عن الصلاة إلا على من علم نفاقه" [1] ."

وهذا القسم الأخير قد استشكل أمره على كثير من المسلمين؛ فهو من اشد أنواع المنافقين خطراً على الدين وأهله، وعلى سلامة وأمن الجماعة المؤمنة؛ لأن أصحابه مراوغون متمرسون على إخفاء أمرهم عن الجماعة المؤمنة بالإيمان الكاذبة وغيرها (مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ) [التوبة: 101] ، ولكن فضلاً من الله ورحمة فإن ما يستقر في قلوب هؤلاء القوم من نفاق، يُظهر الله موجبه في القول والعمل، وما يُسر أحدهم من سريرة إلا ويبديها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه [2] ؛ (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد: 30] .

أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم [3] فالله يوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر [4] .

ولهذا نبه سبحانه وتعالى على صفات هؤلاء المنافقين الظاهرة التي يتوسم منها نفاقهم لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع لذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم واتقاء شرهم، ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار أن يظن بأهل الفجور خير [5] .

وبهذا يظهر بوضوح أن هناك صنف ثالث غير المؤمنين والكافرين؛ فإن كثيراً من الناس ما بقي من المظهرين للإسلام عندهم إلا مؤمن أو كافر مرتد، وأعرضوا عن حكم المنافقين والمنافقون ما زالوا ولا يزالون إلى يوم القيامة [6] .

(1) الإيمان لابن تيمية ص197 - 206.

(2) الإيمان الأوسط ص158.

(3) تفسير ابن كثير جـ4 ص180.

(4) المصدر السابق.

(5) تفسير ابن كثير جـ 1 ص47.

(6) الإيمان لابن تيمية 201.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام